دراسة الاتحاد المصارف حول التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي في القطاع المالي والمصرفي

شكّل قطاع التكنولوجيا المالية خلال السنوات الماضية ثورةً في الأنظمة المالية العالمية والعربية، حيث نجحت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في تقديم حزمة متنوعة من الخدمات المالية تتضمن خدمات المدفوعات والعملات الرقمية وتحويل الأموال، كذلك الإقراض والتمويل الجماعي وإدارة الثروات، إضافة إلى خدمات التأمين، الأمر الذي يُلقي بظلاله على مستقبل الخدمات المالية التقليدية.

وقد حققت الإستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا المالية نمواً سريعاً في السنوات الماضية، حيث إرتفعت قيمتها بما يزيد عن عشرة أضعاف في الفترة بين 2012 و2015، وبلغ إجمالي التمويل العالمي لشركات الـFintech 24.7 مليار دولار عام 2016 (13.6 مليار دولار جاء من إستثمارات Venture Capital) مقارنة بـ 46.6 مليار دولار عام 2015.

ورغم تعدد فوائد التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي على عمل المصارف وتجربة العملاء، فإنه لا يمكن التوسّع في الإبتكار على حساب سلامة المصارف ومتانتها، كذلك على حساب حماية المستهلك وأمن المعلومات. وضمن هذا الإطار، ينبغي على المصارف والبنوك المركزية والجهات الرقابية خلق توازن بين ظاهرة تجنّب المخاطر والتوجّه العالمي نحو إبتكارات التكنولوجيا المالية والرقمنة والذكاء الإصطناعي، والتأكّد من عدم تحوّل الإبتكارات التكنولوجية الجديدة إلى أدوات للإحتيال والقرصنة وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وعدم تهديدها للإستقرار المالي.

في ما يلي دراسة أعدها إتحاد المصارف العربية – الأمانة العامة – إدارة الدراسات والبحوث عن التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي في القطاع المالي والمصرفي.

ثورة التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي

يُعدّ التطور الرقمي من أهم ركائز مستقبل القطاع المالي والمصرفي، حيث يتّجه العملاء بشكل متزايد نحو تنفيذ معاملاتهم المصرفية من خلال التطبيقات الإلكترونية والحلول الذكية. وضمن هذا الإطار، يتمتع كل من الذكاء الإصطناعي (Artificial Intelligence) والتكنولوجيا المالية (Financial Technology or Fintech) بقدرة حقيقية على تغيير هيكل الخدمات المالية التقليدية. فالتكنولوجيا المالية بإمكانها أن تجعل الخدمات المالية أسرع، وأرخص، وأكثر أمناً وشفافية وإتاحة، خصوصاً للشريحة الكبيرة من السكان التي لا تتعامل مع القطاع المصرفي. من جهة أخرى، إن سرعة التطوّر في خدمات التكنولوجيا المالية والشركات الناشئة التي تُقدّم الحلول المالية المبتكرة التي تُحاكي ما تقدمه القطاعات المصرفية وتقوم بتبسيط العمليات المصرفية، يشكّل تهديداً يجب التحوّط منه وإتخاذ كافة الإجراءات الإحترازية التي تحقق سلامة ونزاهة وإستقرار القطاع المصرفي والمالي، حيث تُمثّل التكنولوجيا المالية وتطبيقاتها المختلفة فرصاً وتحديات في الوقت عينه للمصارف والمؤسسات المالية.

أما إستخدام الذكاء الإصطناعي في الخدمات المالية والمصرفية، فمن شأنه أن يخفّض التكلفة التشغيلية، ويحسّن أداء المؤسسات المالية وربحيتها. لذلك، تسعى معظم المؤسسات إلى الإستثمار في تطبيقات وأدوات التكنولوجيا المالية الحديثة و»الذكاء الإصطناعي المالي». وبحسب شركة PwC، من المتوقع أن يساهم الذكاء الإصطناعي بنحو 15.7 تريليون دولار من الإقتصاد العالمي عام 2030، تنقسم إلى 6.6 تريليونات دولار تأتي من ارتفاع معدلات الإنتاجية و9.1 تريليون دولار نتيجة زيادة الإستهلاك في ضوء ارتفاع مستوى جودة السلع المُنتجة. أما على الصعيد العربي، فمن المتوقع أن تبلغ حصة المنطقة 2% حيث ستساهم تطبيقات الذكاء الصناعي بنحو 320 مليار دولار في اقتصاد منطقة الشرق الأوسط بحلول عام 2030، أي ما يعادل 11% من إجمالي الناتج المحلي.

لقد شكّل قطاع التكنولوجيا المالية خلال السنوات القليلة الماضية ثورةً في الأنظمة المالية العالمية والعربية، حيث نجحت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في تقديم حزمة متنوعة من الخدمات المالية تتضمن خدمات المدفوعات والعملات الرقمية وتحويل الأموال وكذلك الإقراض والتمويل الجماعي وإدارة الثروات بالإضافة إلى خدمات التأمين، الأمر الذى يلقي بظلاله على مستقبل الخدمات المالية التقليدية. ولذلك، تسعى المصارف والمؤسسات المالية إلى إدخال بعض التغييرات في نماذج أعمالها من خلال التوسّع في إعتماد التكنولوجيا والإستثمار في البنية التحتية الخاصة بها، وربما الدخول في شراكات مع الشركات الناشئة لتحسين قدراتها التنافسية وزيادة الإعتماد على التكنولوجيا الحديثة في تقديم الخدمات المالية. وهنا تبرز أهمية توافر الإطار التشريعي والتنظيمي والرقابي الذي يسمح بتطوير وتشغيل نماذج أعمال التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي المالي، والذي يُمكّن السلطات الرقابية والتنظيمية من الحد من المخاطر وتوفير فرص النمو في بيئة تنافسية، مع الحفاظ على السلامة المالية والإستقرار المالي.

تعريف التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي

عرّف مجلس الإستقرار المالي (Financial Stability Board) التكنولوجيا المالية بأنها: «إبتكارات مالية باستخدام التكنولوجيا يمكنها إستحداث نماذج عمل أو تطبيقات أو عمليات أو منتجات جديدة، لها أثر مادي ملموس على الأسواق والمؤسسات المالية، وعلى تقديم الخدمات المالية». وأدت عوامل عدة إلى دفع الإبتكار في مجال التكنولوجيا المالية أبرزها التطورات في التكنولوجيا (البيانات الضخمة (Big Data) ودفتر الحسابات الرقمية الموزع (Distributed Ledger Technology)، والتشفير (Cryptography)، بالإضافة إلى إنتشار الهواتف المحمولة/الذكية وإستخدام الإنترنت، والتغيّرات في متطلبات وأولويات المستهلك نحو السرعة وسهولة الإستخدام وإنخفاض التكاليف، فضلاً عن تعقيد المتطلبات التنظيمية والرقابية في عمل المصارف، مثل قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقانون FATCA، وبازل III، ومتطلبات إعرف عميلك، وإعرف عميل عميلك، والعناية الواجبة.

أما الذكاء الإصطناعي، فمنذ بدايته عام 1956 يُعرف بأنه الذكاء الذي تبديه الآلات والبرامج بما يحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، مثل القدرة على التعلّم والإستنتاج ورد الفعل. هو قدرة الآلة على محاكاة العقل البشري وطريقة عمله، مثل قدرته على التفكير، والإكتشاف والإستفادة من التجارب السابقة.

ويُعرّف الذكاء الإصطناعي بأنه «أجهزة ونظم كمبيوتر مصممة للعمل بطريقة يمكن اعتبارها ذكية، ويتضمن الأنماط التكنولوجية التي تحاكي الأداء البشري من خلال التعلّم والتوصل إلى استنتاجاتها الخاصة، عبر فهم المحتويات المعقدة، والإنخراط في حوارات مع الإنسان، وتعزيز الأداء المعرفي البشري، بل استبدال البشر في تنفيذ المهام الروتينية وغير الروتينية على حد سواء».

ولا بدّ أن نشير إلى السمة الأهم في الذكاء الاصطناعي، ألا وهي القضاء على الأعمال الروتينية، بمعنى أن الذكاء الإصطناعي قد يساعد في تقليص وظائف المستوى الأساسي والأدوار التي يتمحور حولها أي عمل.

الاستثمارات العالمية والعربية في قطاع التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي

حققت الإستثمارات العالمية في قطاع التكنولوجيا المالية نمواً سريعاً في السنوات القليلة الماضية، حيث ارتفعت قيمتها بما يزيد عن عشرة أضعاف في الفترة بين 2012 و2015، وبلغ إجمالي التمويل العالمي لشركات الـFintech 24.7 مليار دولار عام 2016 (13.6 مليار دولار جاء من إستثمارات Venture Capital) مقارنة مع 46.6 مليار دولار عام 2015. وبلغ إجمالي الإستثمار في شركات Fintech نحو 29 مليار دولار حتى نهاية العام 2017، عبر 1,134 صفقة. كما تخطى حجم الإستثمارات التراكمي في التكنولوجيا المالية حول العالم حتى شهر تشرين الثاني 2016، 100 مليار دولار، في أكثر من 8800 شركة، ومن المتوقع أنه تجاوز 150 مليار دولار بنهاية عام 2017.

وفي المنطقة العربية، حصدت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية إستثمارات تفوق 100 مليون دولار في السنوات العشر الأخيرة، بين صفقات معلنة وغير معلنة وصفقات إستحواذ بحسب تقديرات «ومضة». وكان مصدر التمويل الرئيسي صناديق إستثمار مخاطر عالمية ومسرّعات أعمال، ومؤخراً، مصارف. وبحسب تقرير ومضه وبيفورت، هدفت هذه الشركات إلى جمع تمويل بقيمة 50 مليون دولار عام 2017، لتسجّل زيادة بنسبة 270% عن 18 مليوناً عام 2016. كما تضاعف عدد الصفقات الإستثمارية المُعلنة في شركات التكنولوجيا المالية الناشئة في الدول العربية من 5 صفقات عام 2013 إلى 10 صفقات عام 2016.

أما في ما يخص الذكاء الإصطناعي، فبحسب مؤسسة البيانات الدولية (IDC)، من المتوقع أن يبلغ الإنفاق العالمي على الذكاء الإصطناعي 19.1 مليار دولار بنهاية العام 2018، بزيادة قدرها 54.2% عن العام 2017. ومن المرتقب أن يصل إلى 52.2 مليار دولار بحلول العام 2021، مسجلاً معدل نمو سنوي مركب (CAGR) 46.2%. وفي الوقت الحالي، يُعتبر قطاع التجزئة الأكثر إنفاقاً على الذكاء الإصطناعي ، يليه القطاع المصرفي.

وفي منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا (MENA)، فمن المتوقع أن يرتفع الإنفاق على أنظمة الذكاء المعرفي والصناعي من 37.5 مليون دولار عام 2017 إلى أكثر من 114 مليون دولار بحلول عام 2021، أي بمعدل نمو 32% سنوياً. وتكمن الفرصة الأكبر للذكاء الإصطناعي في المنطقة في القطاع المالي، حيث من المتوقع أن يتم إنفاق 28.3 مليون دولار، أي ما يمثل 25% من إجمالي الإستثمارات في مجال الذكاء الإصطناعي، على تطوير حلول الذكاء الإصطناعي في القطاع المالي، يليه قطاع الخدمات العامة كالتعليم والصحة، ثم قطاع التصنيع.

قطاعات/إستخدامات التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي

وفقاً للجنة بازل للرقابة المصرفية، فإن التكنولوجيا المالية مرتبطة بثلاثة قطاعات رئيسية تتعلق مباشرة بالخدمات المصرفية الأساسية وهي: 1) الإئتمان والإيداع وجمع رأس المال، 2) المدفوعات والمقاصة والتسوية، و3) إدارة الإستثمارات/الثروات. وبحسب تقرير ومضة وبايفورت، تُقسم مراحل تطوّر التكنولوجيا المالية إلى موجتين، تتضمن الموجة الأولى حلول الدفع وحلول الإقراض. أما الموجة الثانية فتشمل إدخال التكنولوجيا إلى التحويلات المالية الدولية والتأمين ((Insurtech وإدارة الثروات والإستثمارات. وهناك ظاهرة جديدة أخرى في مجال التكنولوجيا المالية هي تكنولوجيا بلوكشين (Blockchain)، وهي بمثابة دفتر رقمي لا مركزي، يتم فيه تسجيل المعاملات التي تتم في العملات الرقمية المشفرة (C(Cryptocurrencies، حيث تميّز عام 2017 باقتحام العملات الإفتراضية المشفرة أسواق المال العالمية، وأكثرها جدلاً هي «البتكوين» وهي عملة رقمية افتراضية مشفّرة باتت أشهر أدوات التداول المالي والمضاربة، لا وجود ماديّ لها، ولا تخضع لأية رقابة.

أما إستخدامات الذكاء الإصطناعي في القطاع المصرفي فهي متعددة وتشمل ما يلي: التكنولوجيا المالية والبلوكشين، عمليات السوق وقرارات التسعير والتحوّط، القدرة الإستشرافية، إدارة المخاطر وإستشرافھا، التفاعل الذكي مع العميل وإستشراف متطلباته، دراسة سوق الفائدة المحلي والتأقلم مع متطلبات المودع، الكشف عن الغش والإحتيال، تقدير وتصنيف وإستشراف قدرة العميل الائتمانية، تحديد مخاطر وأسعار عقود التأمين وفق خوارزميات معقدة تستخدم المعلومات والمستجدات الآنية، تجميع وتحليل كميات ھائلة ومعقدة من المعلومات السوقية والمستجدات المتنوعة. كما يمكن إستخدام الذكاء الإصطناعي في إدارة الإستثمارات، إستباق وتحديد حاجات ومتطلبات العملاء والأسواق، تحليل ومقارنة الأدوات المالية المطروحة في السوق، إجراء التجارب والإختبارات الرجعية والمحاكاة السوقية للأدوات المالية المُبتكرة قبل إطلاقھا، وتسھيل ومعالجة وسائل الدفع المؤتمتة بحيث توفّر على العميل الوقت والتكلفة.

كما يمكن لأنظمة الذكاء الإصطناعي أن تقدّم تحليلات للبيانات التاريخية وإحصائيات آنية وتقارير دقيقة من كافة الأنظمة الإلكترونية والأدوات الإستثمارية، والتي تبيّن بدورها أنماط وإتجاهات المؤشرات والأسهم والتداولات، ما يدعم عملية صنع القرار. وتقدّم للوسطاء الماليين المعلومات والبيانات المالية لمساعدتهم على تحقيق فهم أفضل للسوق، وإتخاذ قرارات متينة وسليمة.

ومن أبرز الأمثلة العالمية على إستخدام الذكاء الإصطناعي في العمليات المصرفية استخدام مصرف سانتاندير روبوتات للتعامل مع الزبائن في مركز للعملاء في إسبانيا منذ عام 2010، بالإضافة إلى إستخدام مصرف يو.بي.أس مساعد أمازون الرقمي «أليكسا» لخدمة الزبائن، وإنشاء مورغن ستانلي وحدة ذكاء إصطناعي لمراقبة عمليات الإحتيال، وقرار استخدام بنك إيه بي إن أمرو شبكة ذكاء إصطناعي على نطاق واسع لتشمل مساعد رقمي للعملاء وأدوات للكشف عن عمليات الإحتيال وإدارة تحليل المخاطر، وإعلان بنك أتش.أس.بي.سي أنه سيلتحق بموجة إستخدام الذكاء الإصطناعي في مراقبة عمليات غسيل الأموال والإحتيال وتمويل الإرهاب.

التحديات التي تعرقل توسع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية وتطبيق الذكاء الإصطناعي في العالم العربي

أبرز التحديات والعوائق التي تعرقل إنتشار وتوسع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في العالم العربي هي صعوبة إكتساب ثقة العملاء نتيجة التخوّف من الإحتيال والقرصنة، في ظل عدم وجود أطر كافية لحماية المستهلك في مجال الخدمات المالية ولا قوانين لخصوصية البيانات في الكثيرمن الدول. بالإضافة إلى عدم وجود تشريعات بشأن الجرائم الإلكترونية والأمن المعلوماتي إلا في سبع دول في المنطقة (الجزائر ومصر وعُمان والمغرب وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة). وتشمل التحديات صعوبة إنشاء وإطلاق الشركات الناشئة نتيجة القوانين التي تحكم منح التراخيص لشركات الخدمات المالية، وندرة رؤوس الأموال المخاطرة التي يرتكز عليها تمويل الشركات الناشئة في التكنولوجيا المالية، إلى جانب ضعف القدرة التنافسية للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في حال عدم تبنّيها نموذج أعمال قائم على التعاون مع المصارف العربية، نتيجة الثقة الراسخة وولاء العملاء بالقطاعات المصرفية العربية، خصوصاً في ظل توجّه المصارف العربية الكبرى نحو التطوّر في مجال التعاملات المالية الرقمية من خلال تبني استراتيجيات رقمية مبتكرة.

أما التحدي الأبرز الذي يقف أمام تبنّي القطاعات للذكاء الإصطناعي في المنطقة، إلى جانب المخاوف من القرصنة والإحتيال الإلكتروني، والحاجة إلى إستثمارات ضخمة، هو عدم القدرة على الوصول إلى المعلومات، حيث تحتاج معظم الشركات والمصارف إلى الأنظمة والبنى التحتية التي تسمح لها بجمع البيانات التي تنتج لديها وتخزينها، سواء كانت تحتاجها في أعمالها المتنامية، أم في خلق ميزة تنافسية في السوق من خلال إدراج الذكاء الإصطناعي في صميم أعمالها. ويتمثّل التحدي الثاني في ضرورة بناء القدرات في مجال الذكاء الإصطناعي، إذ تعاني المنطقة فجوة مهارية، حيث لا يوجد مهنيون مؤهلون للعمل في مجال الذكاء الإصطناعي وإدارة شؤونه في مسيرة التحول الرقمي في وجه الطلب المتزايد على هذه القدرات، ما يُعيق تقدّم الشركات في مساعيها لتحقيق أجنداتها الرقمية (البيان، 2018).

الفرص والمخاطر الناجمة عن تطبيق التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي في العمليات المصرفية

نظراً لصغر حجمها ومحدودية إنتشارها في المنطقة العربية بشكل عام، لا تتصرف الشركات الناشئة على أّنها منافس مباشر للبنوك العربية، بل تسعى معظم الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية في المنطقة العربية إلى الشراكة والتعاون مع المصارف. ولا يزال إختيار التكنولوجيا المالية المناسبة والتطبيق الناجح لها، يشكل تحدياً للمصارف، وخاصة تلك التي لديها ثقافة إبتكارية ضعيفة، لذلك يمكن لعقد الشراكات مع الشركات الناشئة المختصة في مجال التكنولوجيا المالية، كما هو الحال في لبنان، أن يساعد المصارف على الحفاظ على حصتها السوقية، وذلك عبر تقديم منتجات مصرفية مبتكرة لعملائها. ويمكن إستعراض الفرص التي تتيحها التكنولوجيا المالية للقطاع المالي والمصرفي بما يلي: تعزيز الشمول المالي، توفير خدمات مصرفية أفضل وأكثر مُلاءمة للعملاء، التأثير الإيجابي المحتمل على الإستقرار المالي بسبب تزايد المنافسة، ودور التكنولوجيا الرقابية (RegTech) في تحسين عمليات الإمتثال في المصارف. من جهة أخرى، تتضمن المخاطر الرئيسية التي قد تنجم عن تطبيق التكنولوجيا في العمليات المصرفية، المخاطر الإستراتيجية، المخاطر التشغيلية، مخاطر الإمتثال، مخاطر الاستعانة بمصادر خارجية، المخاطر السيبرانية (Cyber-risk)، ومخاطر السيولة والتمويل.

وضمن هذا الإطار، من المتوقع أن يقوم إستخدام الذكاء الإصطناعي بإعادة رسم خارطة النشاط المصرفي عاجلاً أم آجلاً. وترجّح مجموعة KPMG أن يصبح النشاط المصرفي غير مرئي في المستقبل، حيث تتم التعاملات بمساعدة افتراضية تستغني عن المصرفيين في جميع مراحل التعامل مع العملاء بشكل كامل. لكن هذا التوقع ليس واقعياً حيث من المرتقب أن يتم استخدام الذكاء الإصطناعي لتقديم حلول أكثر ذكاء للعملاء عبر تحسين كفاءة إتخاذ القرارات وتعزيز قدرات الموظفين، وليس للإستغناء عنهم بشكل كامل.

توصيات – إستغلال إبتكارات التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي لتطوير مستقبل الخدمات المصرفية

في الختام، وعلى الرغم من تعدد فوائد التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي على عمل المصارف وتجربة العملاء، فإنه لا يمكن التوسّع في الإبتكار على حساب سلامة ومتانة المصارف، وكذلك على حساب حماية المستهلك وأمن المعلومات. وضمن هذا الإطار، ينبغي على المصارف والبنوك المركزية والجهات الرقابية خلق توازن بين ظاهرة تجنّب المخاطر والتوجّه العالمي نحو إبتكارات التكنولوجيا المالية والرقمنة والذكاء الإصطناعي، والتأكّد من عدم تحوّل الإبتكارات التكنولوجية الجديدة إلى أدوات للإحتيال والقرصنة وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وعدم تهديدها للإستقرار المالي.

في ما يلي عدد من التوصيات المقترحة لحسن إستغلال إبتكارات التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي لتطوير مستقبل الخدمات المصرفية:

  • دعوة المصارف والمؤسسات المالية العربية الى وضع أطر قانونية خاصة بمؤسسات الدفع التي تسهم في تطوير المنتجات المالية التكنولوجية وتساعد على تعميم خدمات الشمول المالي عبر تمكين الشرائح المهمشة من النفاذ الى منظومة الدفع.
  • ضرورة إستثمار التقنيات التكنولوجية الحديثة على غرار الـblockchain في سياق تطوير الخدمات المالية الإلكترونية للتقليص من الطرق التقليدية في إستعمال النقد.
  • ضرورة إهتمام مختلف مكوّنات القطاع المصرفي والمالي العربي بتدريب موظفيها على آليات وتقنيات التكنولوجيا المالية والذكاء الإصطناعي، نظراً لدورها في تنويع النشاط الإقتصادي وتطوير العمل المصرفي ليصبح أكثر إستجابة للحاجات المتغيرة والمتعددة لأوسع شرائح المتعاملين مع هذا القطاع الرائد والحيوي.
  • أهمية تشجيع المصارف المركزية العربية، في مواكبة الذكاء الإصطناعي، وعملية تحول القطاعات المالية والمصرفية العربية من مرحلة الإقتصاد التقليدي الى مرحلة الإقتصاد الرقمي تزامناً مع إحتواء مخاطر هذا التحول وتداعياته.
  • زيادة الإنفاق على الذكاء الاصطناعي لتحسين الخدمات المصرفية المقدمة للعملاء خصوصاً عن طريق التطبيقات والتقنيات الإلكترونية.
  • وفي ما يتعلق بالإطار التشريعي للأدوات الإلكترونية المستحدثة، فلدى معظم الدول العربية قصور في التشريع لهذه الأدوات الجديدة، خصوصاً في التشريعات التأسيسية ومنها التشريعات العامة المتعلقة بالتعاملات الإلكترونية، والتعريف الإلكتروني والتوقيع الإلكتروني. ومن البديهي أن عدم إقرار هذه التشريعات لا يسمح بإطلاق العنان للتعاملات المالية والمصرفية الإلكترونية ولا لإطلاق الإبتكارات والتطورات في التعاملات الإلكترونية. فالإطار التشريعي مطلوب لمواكبة التطورات التكنولوجية وحماية المصالح الخاصة والعامة.