كتب: وكالات وأحمد أبو علي
تواجه شركات التطوير العقاري في السعودية تحديات لتحقيق مستهدفات الإسكان وفق مخططات رؤية 2030، ويرى الخبراء أن مشكلات سلاسل الإمداد ونقص المقاولين من بين تلك التحديات وفقا لتقرير لـ سي إن إن بيزنس.
وذكروا أن تأثير سلاسل التوريد على سوق العقارات كبير، حيث يعتمد قطاع البناء بشكل كبير في المملكة على تسليم المواد والمعدات في الوقت المناسب وبتكلفة مناسبة، وأن اختلال هذا الأمر يؤثر على ديناميكيات العرض والطلب، والربحية، والقدرة التنافسية للقطاع.
وبحسب محمد نبيل الشريك الإقليمي ورئيس قسم المشاريع وخدمات التطوير في السعودية لدى شركة نايت فرانك، تشمل التحديات التي تواجهها سوق سلسلة الإمداد في السعودية المشكلات اللوجستية، وتأخر الإجراءات الجمركية، وعدم توافر المواد وتقلبات الأسعار، ويمكن أن تؤثر هذه التحديات على سوق العقارات من خلال التسبب في تأخير مشاريع البناء، وزيادة تكاليف مواد البناء، وربما التأثير على توقيت تطوير العقارات وتسليمها.
وتشكل التحديات في سوق سلسلة الإمداد عبئاً على المستثمرين والمشترين، فارتفاع أسعار مواد البناء والخدمات سينعكس مباشرة على ارتفاع أسعار العقارات، وهو ما أشار إليه تقرير شركة (جيه.إل.إل) للاستشارات العقارية للربع الثالث من عام 2023 بوجود زيادة بنسبة 7 في المئة في أسعار العقارات في السعودية.
أدت الهجمات الأخيرة في منطقة البحر الأحمر، التي تركزت بشكل أساسي على مضيق باب المندب وخليج عدن، إلى تعطيل طرق الشحن التي تربط أوروبا بآسيا، واضطرت شركات الشحن إلى تحويل سفنها عن هذه المياه المضطربة لتجنب مخاطر الهجمات، ما أدى إلى جعل طريق الرحلات أطول، ونتيجة لذلك أصبحت سلاسل التوريد في حالة من الفوضى.
ووفقاً لنبيل، كانت إحدى العواقب المباشرة لهجمات البحر الأحمر الزيادة الكبيرة في تكاليف الشحن، وتعني الطرق الأطول استهلاكاً أكبر للوقود، وزيادة تكاليف الصيانة، وزيادة تآكل السفن، وقد تم تمرير هذه النفقات الإضافية إلى المستهلكين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات.
وأضاف «لا يؤثر التأخير على تسليم البضائع في الوقت المناسب فحسب، بل يؤثر أيضاً على جداول الإنتاج وإدارة المخزون، وتواجه الشركات حالة من عدم اليقين، فهي غير قادرة على التخطيط وتخصيص الموارد بدقة».
ويمكن أن يؤثر انسياب حركة التجارة في البحر الأحمر بسبب التوتر السياسي على صناعة العقارات في المملكة العربية السعودية، لا سيما فيما يتعلق بتأخير شحنات مواد البناء، وفي هذا الإطار يقول نبيل «قد يؤدي ذلك إلى تأخير أعمال البناء وزيادة التكاليف على مطوري العقارات والمشترين، وأدى تغيير مسار الشحنات حول رأس الرجاء الصالح إلى زيادة تكاليف النقل والوقت، ما أثر على القدرة التنافسية والربحية لقطاع الخدمات اللوجستية والتخزين».
ويرى الخبراء أن سلاسل الإمداد لم تتعافَ بشكل كامل من آثار جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تعطيل تدفقات التجارة العالمية والإقليمية، وأثرت على العرض والطلب على السلع والخدمات وأدت إلى تأخيرات وزيادة تكاليف مواد البناء والمعدات والآلات، كما أدى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة إلى زيادة تكلفة تمويل وتشغيل أنشطة سلسلة التوريد.
قال أسامة قباني الرئيس التنفيذي للتطوير في شركة روشن العقارية «لدينا تحدٍ لبناء عدد كبير من المساكن بفترة زمنية قصيرة، ومن المتوقع أن يواجه أي مطور عقاري تحديات كبيرة نتيجة لذلك أقلها زيادة الأسعار، ويمكن أن تصل التحديات إلى سلسلة الإمداد ويصبح هناك نقص في المقاولين والموردين».
وبحسب وصف قباني فالمملكة كلها الآن ورشة عمل، إذ يقول «لا توجد كمية كافية من المقاولين في السوق لحل هذه المعضلة».
وقال نبيل «هناك نقص في المقاولين في المملكة العربية السعودية بسبب ارتفاع الطلب على البناء ومحدودية توافر العمالة الماهرة، خاصة مع إطلاق مشاريع جيجا السعودية، التي تشمل نيوم ومشروع البحر الأحمر والقدية وبوابة الدرعية ومترو الرياض، ومدينة جدة الاقتصادية وغيرها، ومن المتوقع أن تضيف هذه المشاريع مجتمعة أكثر من 660 ألف منزل جديد إلى المملكة بحلول نهاية العقد، بالإضافة إلى 6 ملايين متر مربع من المساحات المكتبية و289 ألف مفتاح فندقي».
وأضاف «ومن المرجح أن يزداد هذا النقص مع المشاريع الجديدة المخطط لها لدعم استضافة المملكة العربية السعودية لمعرض إكسبو العالمي في عام 2030 وكأس العالم لكرة القدم 2034».
وتقول لورا مورغان رئيسة قسم معلومات السوق في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا لدى (جيه.إل.إل) «منذ فترة وباء كورونا رأينا عدداً كبيراً من القوى العاملة على مستوى العالم يخرج من قطاع البناء، ومن المؤكد أن أزمة نقص القوى العاملة لا تزال تشكل معضلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وفي جميع أنحاء المملكة العربية السعودية».
بحسب الخبراء، يعود النقص في المقاولين في السعودية، خاصة المؤهلين وذوي الخبرة منهم، لعدة عوامل منها مغادرة العمالة الوافدة نتيجة جائحة كوفيد-19، ما أدى إلى تقليل مجمع العمالة المتاحة وزيادة تكاليف العمالة، وأدت المنافسة المتزايدة في مشاريع البناء إلى رفع معايير وتوقعات العملاء والمنظمين، ما يتطلب مستويات أعلى من الجودة والأداء من المقاولين.
وتشير تقديرات نايت فرانك إلى أنه تم الإعلان عن مشاريع عقارية وبنية تحتية بقيمة 1.3 تريليون دولار أميركي منذ الكشف عن برنامج التحول الوطني في عام 2016، كأول برامج رؤية السعودية 2030.
تعتقد لورا مورغان أن جاذبية المشروعات التي يتم تطويرها حالياً قد تكون كافية لجذب المزيد من المقاولين، لكنها تعتقد أن الجهود التي تبذلها السعودية فيما يتعلق بالمحتوى المحلي تحاول تشجيع الناس على بدء أعمال تجارية هناك وإنشاء مكاتب رئيسية هناك أيضاً.
وأضافت أن هناك دعماً وتشجيعاً للحصول على مواد البناء محلياً بدلاً من الاعتماد على الواردات، لكن في بعض الأحيان لا يكون هناك بديل محلي، ما يدفع الدول إلى الاعتماد على الاستيراد من الخارج، ويمكن أن يكون لذلك تأثير على أسعار البناء لأنك في الأغلب تشتري من دول ربما تعاني من ارتفاع معدلات التضخم.
تستورد المملكة العربية السعودية مواد البناء حالياً من أميركا الجنوبية وأوروبا وأجزاء أخرى من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا.
وأحد الحلول المتاحة لحل هذه الأزمة هو عقد شراكات استراتيجية لضمان توافر سلسلة الإمداد، وتحقيق استقرار في الأسعار، إذ تتيح العقود طويلة الأجل بين المطور والمورد تسعير المواد الخام بالجملة، أي بشكل منطقي ومتوازن لا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل فجائي، وفقاً لأسامة قباني رئيس شركة روشن.
أما بالنسبة لنبيل، فالاستثمار في تنمية القوى العاملة يمكن أن يساعد تدريب وتطوير القوى العاملة الماهرة في معالجة نقص العمالة وتحسين الإنتاجية الإجمالية في صناعة البناء والتشييد.
وأضاف أن بناء شراكات قوية مع أصحاب المصلحة المحليين والدوليين، وكذلك تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، يمكن أن يساعد في تسهيل تبادل المعرفة والموارد.
وقال وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديري لمواد البناء في مقابلة مع «CNN الاقتصادية» إن السعودية من أكبر خمس دول تستورد مواد البناء من مصر في ظل تنامي احتياجات المملكة لتحقيق مستهدفات الإسكان وفقاً لرؤية 2030 ورفع نسبة تملك السعوديين للمساكن إلى 70 في المئة، لكن هذه الاحتياجات تأثرت قليلاً العام الماضي بسبب الأزمة الاقتصادية التي تشهدها مصر.
وأضاف أن حجم واردات المملكة من مواد البناء المصرية ارتفع بنحو 50 في المئة، إلى 600 مليون دولار في عام 2022، من 400 مليون دولار في عام 2021، بدعم من الطفرة العمرانية في السعودية وزيادة وتيرة بناء المشروعات الضخمة، والتوسع في إنشاء مدن جديدة مثل مدينة (نيوم) بالإضافة إلى تطوير المدن القائمة بالفعل.
وذكر جمال الدين أن العام الماضي شهد انخفاضاً طفيفاً في الصادرات المصرية من مواد البناء إلى السعودية إلى 550 مليون دولار، بسبب نقص بعض الخامات المستوردة، ما أثر على قدرة المصانع المصرية على تلبية حجم الطلب الضخم من قبل المطورين السعوديين.
وتوقع أن تصل قيمة الواردات السعودية من مواد البناء المصرية إلى 650 مليون دولار خلال عام 2024.
ويتصدر الحديد ومصنوعاته قائمة الواردات السعودية من مواد البناء المصرية، تليه الكابلات الكهربائية ثم الرخام والجرانيت والمواد العازلة، بالإضافة إلى مواد التشطيب المختلفة بحسب جمال الدين.
وجذبت النهضة العقارية في السعودية العديد من شركات العقارات المصرية، التي عقدت تحالفات مع شركات كبرى في المملكة لإنشاء مشروعات عمرانية هناك لتلبية حجم الطلب الضخم، من بينها شركات مثل طلعت مصطفى وتطوير مصر وماونتن فيو وريدكون للتعمير.
وقال أحمد عبد الله نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات ريدكون للتطوير العقاري، إن السوق العقارية السعودية متعطشة لدخول المطورين العقاريين المصريين بسبب النهضة العقارية التي تشهدها المملكة، واستعدادها لاستضافة العديد من الأحداث العالمية الهامة، مثل إكسبو السعودية 2030، وكأس العالم 2034 فضلاً عن رؤية 2030 التي تحتاج إلى إنجازات ضخمة في مشروعات البنية التحتية.
كيف يستفيد اقتصاد السعودية من استضافة إكسبو 2030؟
وتجاوزت القيمة الإجمالية لمشروعات العقارات والبنية التحتية في السعودية، التي أُطلقت منذ بدء خطة التحول الوطني عام 2016، مبلغ 1.2 تريليون دولار، بحسب تقرير صادر عن شركة الاستشارات العقارية نايت فرانك في سبتمبر أيلول الماضي
وعن أبرز التحديات التي قد تواجه المطورين العقاريين في السعودية، أشار عبدالله إلى ارتفاع معدلات التضخم وتكلفة التمويل، وزيادة حدة المنافسة مع الشركات المحلية والحاجة إلى فهم ودراسة طبيعة المستهلك السعودي وما يفضله من تفاصيل في العقار الذي سيقطن به قبل البدء بأي مشروع، وأشار إلى أن شركته تعتزم توفير مواد البناء اللازمة لمشروعاتها في المملكة من خلال السوق السعودية.