بقلم: فراس الناصري كاتب اقتصادي متخصص في الشؤون الصينية
منذ أكثر من عقد من الزمان، وضعت الصين هدفًا استراتيجيًا بأن تتحول إلى قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي (AI)، ولم يكن ذلك مجرد طموح على الورق، بل خطة مدروسة تُضخ فيها استثمارات ضخمة، وتُصاغ لها سياسات تُحفز الشركات والمؤسسات الأكاديمية على الإبداع والابتكار.
اليوم، بات واضحًا أن بكين تخوض سباقًا محمومًا مع الولايات المتحدة، ليس فقط لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، بل للسيطرة على البنية التحتية والبيانات والأنظمة التي ستحدد شكل الاقتصاد العالمي خلال العقود القادمة.
تتجلى مظاهر التفوق الصيني في عدة جوانب، أبرزها ضخامة البيانات المتاحة، والحكومة المركزية القادرة على توجيه الموارد بسرعة، وحماس الشركات العملاقة مثل «بايدو»، و«علي بابا»، و«تينسنت»، التي باتت تنافس نظراءها في وادي السيليكون. يُضاف إلى ذلك سياسة الانفتاح على المواهب العالمية وتوطين أحدث التقنيات بأقصى سرعة ممكنة.
قد يرى البعض أن هذا السباق يهدد التوازن التكنولوجي العالمي، خاصة مع تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتعدد القيود المفروضة على الشركات الصينية من قبل الغرب. إلا أن قراءة الواقع تقول إن الصين تمكنت من تجاوز العديد من هذه العقبات عبر تعزيز سلاسل الإمداد المحلية، وتطوير معالجاتها وأنظمتها الخاصة، وسد الفجوات في مجالات كانت تحتكرها دول أو شركات بعينها.
في المقابل، يبقى التحدي الحقيقي أمام الصين هو كيفية استخدام هذا التفوق بشكل مسؤول. فمع توسع استخدامات الذكاء الاصطناعي في كل شيء، من الأمن إلى الاقتصاد مرورًا بالصحة والتعليم، ستجد بكين نفسها أمام اختبار أخلاقي وقانوني كبير يتعلق بحماية الخصوصية، وحرية الأفراد، والتوازن بين الابتكار والسيطرة.
اليوم، لا يمكن لأحد إنكار أن الصين أصبحت لاعبًا رئيسيًا يُرسم على طاولته مستقبل الذكاء الاصطناعي عالميًا. وإن استمرت بنفس الوتيرة، فقد نشهد قريبًا تغيرًا جذريًا في خريطة القوى التكنولوجية، يقلب موازين المنافسة، ويعيد تعريف من يقود ومن يتبع.
في النهاية، يبقى السؤال مفتوحًا:
هل سيبقى الذكاء الاصطناعي أداة تنافسية فقط، أم سيصبح ساحة لصراعات سياسية واقتصادية أوسع؟ الصين تجيب كل يوم بخطوة جديدة تقول فيها: «نحن هنا، ولا ننتظر أحدًا»
اقرا ايضا:
شركة«Moonshot» الصينية تعود لسباق الذكاء الاصطناعي بنموذج مفتوح المصدر
«علي بابا» و«تينسنت» تجمّدان أدوات الذكاء الاصطناعي خلال امتحانات القبول الجامعي بالصين