«أولي هانسن» رئيس استراتيجية السلع في «ساكسو بنك» يكتب: الحبوب وفول الصويا الأمريكية.. انتعاش حقيقي أم مجرد تغطية مراكز مكشوفة؟
فينتك جيت: محمد بدوي
بقلم: أولي هانسن – رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك
بعد فترة طويلة من التراجع البطيء، عادت أسواق الحبوب الأمريكية إلى النشاط المفاجئ. فقد ارتفع مؤشر بلومبرج للعائد الإجمالي للحبوب، الذي تتابعه صناديق مؤشرات كبرى، بقوة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، ليقلّص خسائره منذ بداية العام إلى نحو 1%. وجاء التحسن مدفوعاً خصوصاً بفول الصويا (+13.8%) وزيت الصويا (+24%)، في حين واصل دقيق الصويا (-5%) والذرة (-8.6%) والقمح (-9%) الأداء الأضعف.
ورغم حدة الانتعاش، إلا أن غياب البيانات الرسمية من وزارة الزراعة الأمريكية (USDA) وهيئة تداول السلع الآجلة (CFTC) يجعل الصورة غير مكتملة، خصوصاً مع تعطل تقارير المواقع المكشوفة للمضاربين (COT) منذ سبتمبر.
سوق تتداول بلا بوصلة
منذ الأول من أكتوبر، أدى الإغلاق الحكومي الأمريكي إلى تعليق نشر تقارير رئيسية مثل تقرير العرض والطلب الزراعي العالمي (WASDE) وتقديرات الإنتاج والغلال.
وبذلك يجد المتعاملون أنفسهم في واحدة من أهم فترات العام، ذروة موسم الحصاد الأمريكي، دون بيانات محدثة تحدد الاتجاه السعري الفعلي للأسواق.
وقد أعلنت وزارة الزراعة الأمريكية نيتها إصدار تقارير الإنتاج و”تقديرات العرض والطلب الزراعي العالمية” في 14 نوفمبر، ما يجعل الأسبوعين القادمين حاسمين في تحديد اتجاه الأسعار.
ضغط المراكز القصيرة يشعل الارتفاع
في ظل غياب البيانات، كانت الظروف مثالية لحدوث “ضغط المراكز القصيرة” (Short Squeeze). فالكثير من صناديق التحوط كانت متمركزة على انخفاض الأسعار، لكن تحسّن المعنويات بعد اتفاق تجاري بين واشنطن وبكين، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة الذي دعم هوامش إنتاج الوقود الحيوي، أجبر المضاربين على تغطية مراكزهم المكشوفة، ما دفع الأسعار إلى الارتفاع السريع.
بمعنى آخر، فإن تحسّناً طفيفاً في الأساسيات تَضَخَّم بفعل ردود الفعل الفنية والمضاربية في بيئة تتسم بانخفاض الثقة والسيولة.
يقف ملف الصين في صميم هذا التفاؤل. فقد نصّ التفاهم الأخير مع واشنطن على أن تستورد الصين 12 مليون طن متري من فول الصويا الأمريكي حتى يناير المقبل. يعقبها ما لا يقل عن 25 مليون طن سنوياً خلال السنوات التسويقية الثلاث التالية.
ولو تحقّق ذلك، فسيعيد أحجام التجارة إلى مستويات ما قبل الحرب التجارية، ويمنح المزارعين الأمريكيين دفعة معنوية ومادية قوية. لكن السوق تنتظر الأدلة. إذ تشير المؤشرات الأولية إلى أن المشترين الصينيين لا يزالون يتجهون نحو البرازيل عندما تسمح الأسعار بذلك.
وحتى تصدر بيانات فعلية عن شحنات التصدير الأمريكية تؤكد زيادة ملموسة. ستظل هذه التعهدات تحت المجهر.
كما أن عامل الوقت ضاغط: فلكي تصل الشحنات إلى الموانئ الصينية في ديسمبر. يجب أن تبدأ عمليات الشحن فوراً.
لذلك تكتسب بيانات التفتيش الأسبوعي للصادرات أهمية استثنائية في هذه المرحلة.
الكونتانغو وكلفة الزمن
رغم الانتعاش، فإن هيكل السوق الآجل لا يزال يعكس وفرة المعروض العالمي.
فمنحنيات الأسعار المستقبلية لجميع الحبوب الرئيسية — باستثناء فول الصويا — لا تزال في وضع الكونتانغو (Contango). أي أن الأسعار الآجلة أعلى من الأسعار الفورية. ما يشير إلى وفرة في المخزونات وتراجع الضغوط الفورية.
فأسعار عقود القمح المؤجلة لعام تتداول أعلى بنحو 11.7% من العقود القريبة، والذرة أعلى بنحو 8%.
في هذا النوع من الأسواق، يواجه المستثمرون في المراكز الطويلة تكلفة زمنية سلبية (Negative Roll Yield). إذ يضطرون كل شهر لبيع العقد القريب الأرخص وشراء العقد البعيد الأغلى.
في المقابل. يستفيد البائعون على المكشوف من هذا الوضع عبر تحقيق عائد إيجابي من فارق الأسعار عبر الزمن.
لذلك، فإن استدامة الارتفاع مرتبطة بإشارات حقيقية على تشديد التوازنات مثل تحسّن الأساسيات المحلية. وتقلّص الفوارق السعرية بين الأشهر، وارتفاع وتيرة الصادرات.
أما في غياب هذه الدلائل، فستتآكل المكاسب تدريجياً بفعل كلفة الكونتانغو وتراجع الزخم.
التوقعات المستقبلية
في ضوء وفرة الإنتاج عبر الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة البحر الأسود وأستراليا. كما تبقى الصورة العامة إيجابية من جانب العرض، أي أن السوق لا تعاني من شح.
وعليه، فإن الارتفاع الحالي يبدو تصحيحاً فنياً قصير الأجل أكثر منه بداية دورة صعود جديدة.
على المدى القريب. كما سيعتمد أداء فول الصويا بشكل كبير على مدى التزام الصين بتنفيذ مشترياتها.
فإذا شهدنا تحسّناً ملموساً في تدفقات الصادرات الأمريكية، قد يمتد الارتفاع ويؤدي إلى تسطيح المنحنى الآجل.
أما إذا تراجعت الوتيرة أو فشلت الصفقات في التحقق، فستعود السوق سريعاً إلى واقعها الأساسي: مخزونات مرتفعة، طلب محدود على الأعلاف، وكلفة زمنية سالبة للمراكز الطويلة — وكلها عوامل ترجّح الاستقرار لا الاستمرار في الصعود.
في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها:







