«دينا كسّاب»: الذكاء الاصطناعي أصبح أداة حاسمة للتنبؤ بالتضخم والنشاط الاقتصادي ودعم قرارات السياسة النقدية في مصر
فينتك جيت: ريهام علي
صرّحت الدكتور دينا كساب، مستشار بالبنك المركزي المصري، بأن الذكاء الاصطناعي ونماذج الـNowcasting لم تعد أدوات مساندة للسياسة النقدية، بل أصبحت عنصرًا جوهريًا يمكّن البنك من قراءة الواقع الاقتصادي لحظة بلحظة، واتخاذ قرارات نقدية مبنية على بيانات محدثة بدلًا من الاعتماد على مؤشرات تأتي متأخرة بعد أسابيع أو شهور.
وأوضحت خلال جلسة «الذكاء الاصطناعي لتمكين السياسات النقدية» المنعقدة على هامش فعاليات معرض Cairo ICT، أن بيانات النشاط الحقيقي في الاقتصاد المصري، مثل بيانات الناتج المحلي الإجمالي، تميل بطبيعتها للصدور بزمن تأخير يصل إلى ربع أو ربعين سنويين، بينما تأتي بيانات التضخم بتأخير يقارب الشهر. وهذا التأخير قد يؤدي إلى فجوة بين لحظة حدوث التطورات الاقتصادية ولحظة صدور القرارات المناسبة، وهو ما يجعل أدوات الـNowcasting ضرورة أساسية لبنك مركزي يعمل في بيئة متغيرة وسريعة التأثر بالأحداث العالمية والمحلية.
إنشاء منظومة متكاملة
وأكدت كساب أن البنك المركزي أصبح يعتمد على نماذج دقيقة للتنبؤ اللحظي بالتضخم. من خلال إنشاء منظومة متكاملة تشمل جمع بيانات من آلاف المنتجات من سلاسل السوبرماركت الكبرى عبر تقنيات الـWeb Scraping. ثم تنظيفها ومعالجتها وربطها بأنماط السلوك الاستهلاكي. للوصول إلى صورة لحظية لتغيرات الأسعار—خصوصًا في الغذاء الذي يمثل المكوّن الأكبر في سلة الإنفاق للمواطن المصري.
وأشارت إلى أن هذه المنهجية تساعد البنك في معرفة ما يجري الآن وليس فقط ما جرى في الشهر الماضي. وهو ما يعطي صانعي السياسة النقدية قدرة أعلى على التدخل الاستباقي وضبط توقعات التضخم. وهو عنصر بالغ الأهمية في إطار التحول نحو نظام استهداف التضخم الذي يتطلب دقة أعلى في التوقعات ومرونة أكبر في إدارة المخاطر.
نماذج للتنبؤ بالنشاط الحقيقي
وأضافت كساب أنه إلى جانب تضخم الأسعار، يعمل البنك المركزي أيضًا على نماذج للتنبؤ بالنشاط الحقيقي من خلال تتبع مؤشرات الاستهلاك. بيانات القطاعات الإنتاجية، وحركة السوق بصورة لحظية، بحيث تكون لدى البنك رؤية فورية للتغيرات الهيكلية التي تؤثر في التضخم. وأكدت أن العلاقة بين التضخم والنشاط الحقيقي علاقة وثيقة، وأن قراءة أحدهما لا تكتمل دون الآخر.
كما كشفت عن اعتماد البنك المركزي على نظام إنذار مبكر Early Warning System يقوم على تحليل المشاعر Sentiment Analysis من الأخبار والمصادر العالمية والمحلية. لرصد مؤشرات المخاطر المحيطة بالاقتصاد المصري قبل وقوعها. وتشمل هذه المخاطر احتمالات زيادة أسعار الفائدة عالميًا. أو صدمات اقتصادية خارجية، أو تحركات مفاجئة في الأسواق العالمية، أو موجات تضخم مستوردة. وقالت إن هذه الأنظمة ليست رفاهية. بل ضرورة لحماية الاقتصاد والقطاع المالي من المخاطر الخارجية المتسارعة.
نماذج تعلم آلي متقدمة
وتطرقت كساب إلى واحدة من أكبر التحديات في الاقتصادات النامية: الاقتصاد الخفي، مؤكدة أنه يمثل ما يقرب من 40% من الناتج المحلي الإجمالي في مصر. وأوضحت أن البنك المركزي يستخدم نماذج تعلم آلي متقدمة Machine Learning لتقدير حجم الاقتصاد الخفي وتأثيره على النشاط المعلن. بما يساعد في اتخاذ قرارات نقدية أكثر واقعية وعادلة تعكس الصورة الحقيقية للاقتصاد وليس فقط الجزء الظاهر منه.
وقالت كساب إن البنك المركزي يعمل حاليًا على بناء قدرات جديدة تجعل السياسات النقدية أكثر شفافية وفاعلية. عبر توفير بيانات لحظية لمقدمي الخدمات المالية وربطهم مباشرة برؤية البنك حول التضخم والنشاط الاقتصادي. بما ينعكس على قدرتهم على تقييم المخاطر وتقديم منتجات مالية أكثر دقة واتساقًا مع مستهدفات السياسات النقدية.
واختتمت دينا كساب حديثها بالتأكيد على أن التحول الرقمي في البنك المركزي. لم يعد مشروعًا تقنيًا، بل أصبح تحولًا استراتيجيًا في طريقة فهم الاقتصاد وصناعة السياسات، مؤكدة أن الجمع بين الذكاء الاصطناعي والحوكمة الصارمة. هو ما سيمنح البنك القدرة على إدارة التضخم بكفاءة أعلى وتحقيق الاستقرار النقدي في بيئة عالمية شديدة التقلب.
في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها:







