هل تعيد الفضة تعريف نفسها؟ تحوّل هيكلي يربك المحللين والأسواق

لأعوام طويلة، تحرّكت الفضة في الأسواق العالمية ضمن أطر يمكن التنبؤ بها نسبيًا؛ إما كمعدن تابع للذهب في أوقات الاضطراب المالي، أو كسوق نشطة للمضاربة قصيرة الأجل. غير أن التطورات الأخيرة تشير إلى أن هذا الإطار لم يعد كافيًا لفهم ما يجري في سوق الفضة اليوم.

فالتحركات الحالية لا تعكس مجرد موجة صعود سعري، بل تغيّرًا أعمق في طبيعة السوق، يفرض إعادة طرح السؤال حول دور الفضة الاقتصادي والاستثماري في المرحلة المقبلة.


 لماذا الآن؟

السؤال الجوهري لم يعد: لماذا ارتفعت الفضة؟ بل: لماذا أصبح من الصعب كبح هذا الارتفاع؟ السبب أن عدة عوامل هيكلية التقت في توقيت واحد، ودَفعت السوق إلى مسار مختلف.

النمو السريع في الطلب الصناعي، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة، وأشباه الموصلات، والسيارات الكهربائية، حوّل الفضة من أصل مالي إلى مدخل إنتاج أساسي.

تشير التقديرات إلى أن الطلب الصناعي يمثل الآن ما بين 55% و60% من الطلب العالمي على الفضة، وهي نسبة تاريخيًا مرتفعة.


 حين يتغير المشتري… يتغير السوق 

التحول الجوهري لا يكمن فقط في حجم الطلب، بل في طبيعة المشتري نفسه. المشتري الصناعي لا يتعامل مع الفضة كأداة استثمار، بل كضرورة تشغيلية.

في هذه الحالة، تصبح تكلفة توقف الإنتاج أعلى من تكلفة الشراء عند سعر مرتفع، ما يقلل من الدور التقليدي للسعر في كبح الطلب.


 العرض: الحلقة الأبطأ في المعادلة 

يواجه جانب العرض قيودًا بنيوية واضحة، إذ إن أكثر من نصف إنتاج الفضة يأتي كمنتج ثانوي من مناجم معادن أخرى، ما يحد من مرونة التوسع السريع في الإنتاج.

كما أن أي توسع حقيقي في المعروض يتطلب استثمارات ضخمة وفترات زمنية طويلة.


 لماذا يُربك هذا التحليل الفني التقليدي؟

يفترض التحليل الفني وجود بائع نشط عند الارتفاعات، وحدوث تصحيحات طبيعية.

لكن حين يصبح الطلب مدفوعًا بالضرورة التشغيلية، تصبح التصحيحات أقصر، وتفقد المقاومات كثيرًا من فعاليتها.


 وحتى التحليل الاستثماري قد يتأخر

بعض التحليل الاستثماري التقليدي قد يتأخر إذا استمر في تقييم السعر بمعزل عن الندرة وافتراض وجود مشتري قادر على الانتظار.

في التحولات الهيكلية، يُعاد تعريف دور السلعة نفسها، لا مجرد قيمتها العادلة.


 خلاصة

ما تشهده الفضة اليوم لا يبدو مجرد موجة صعود، بل مرحلة انتقالية قد تعيد تعريفها كمورد استراتيجي داخل الاقتصاد العالمي.

وفي مثل هذه المراحل، قد يكون التحدي الحقيقي هو قراءة السوق بعيدًا عن الأدوات التي صُممت لواقع لم يعد قائمًا.

بقلم

الدكتور عمر عبد الفتاح
خبير الاقتصاد والأسواق

في هذا السياق، ومن ناحية أخرى، هناك العديد من الأخبار المرتبطة بالقطاع والتي يمكنك متابعتها: