الولايات المتحدة تشن حربًا على الاقتصاد الصيني

بقلم عمرو جوهر الخبير في الشؤون الأمريكية

يبدو أن الولايات المتحدة قد شنت حربًا شاملة على الاقتصاد الصيني العملاق، من خلال فرض رسوم جمركية وقيود تجارية وعقوبات على الشركات والتكنولوجيات الصينية، حيث تسعى واشنطن إلى إضعاف المنافس الآسيوي الصاعد وإبطاء تقدمه الاقتصادي.

تصاعدت حدة هذه الحرب التجارية على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث فرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية على واردات صينية بقيمة 360 مليار دولار سنويًا. وردت بكين بفرض رسوم مماثلة على الواردات الأمريكية، مما أدى إلى توتر العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.

لكن الأمر لم يتوقف عند الرسوم الجمركية فحسب، فقد حظرت الولايات المتحدة أيضًا شركات التكنولوجيا الصينية الرائدة مثل هواوي وزد.تي.إي من الوصول إلى الأسواق والتكنولوجيا الأمريكية، بدعوى مخاوف أمنية. كما فرضت قيودًا على صادرات الرقائق الإلكترونية المتقدمة والمعدات التكنولوجية إلى الشركات الصينية.

وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي، قد تكلف هذه الحرب التجارية الاقتصاد الصيني حوالي 1.6 تريليون دولار بحلول عام 2028، أي ما يعادل 6% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.

كما تشير التقديرات إلى أن النمو الاقتصادي الصيني قد ينخفض بنحو 1.5 نقطة مئوية سنويًا على مدى السنوات الخمس المقبلة بسبب الرسوم الجمركية والقيود التجارية الأمريكية.

ولا تقتصر الخسائر الاقتصادية على الناتج المحلي الإجمالي والنمو فحسب، بل تمتد لتشمل قطاعات حيوية أخرى، فقد أدت القيود الأمريكية على تكنولوجيا الرقائق والمعالجات إلى خسائر محتملة تصل إلى 37 مليار دولار سنويًا للشركات الصينية، وفقًا لتقديرات مؤسسات بحثية مرموقة.

علاوة على ذلك، تهدد الحرب التجارية بإضعاف صادرات الصين البالغة 3 تريليونات دولار سنويًا إلى الولايات المتحدة، فضلاً عن تقليص تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر التي تلعب دورًا محوريًا في الاقتصاد الصيني، كما تواجه الشركات الصينية تحديات متزايدة للوصول إلى الأسواق الغربية والتكنولوجيا المتقدمة بسبب هذه التوترات.

لكن ما هي الدوافع وراء هذه الحرب الاقتصادية الشاملة من قبل الولايات المتحدة؟ وفقًا للمحللين، تسعى واشنطن إلى الحفاظ على هيمنتها الاقتصادية والتكنولوجية العالمية في مواجهة صعود الصين كقوة رائدة. كما تهدف إلى إبطاء التقدم التكنولوجي الصيني في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والاتصالات الخلوية من الجيل الخامس، التي قد تمنح بكين ميزة استراتيجية على المدى الطويل.

وفي الوقت نفسه، تستخدم الولايات المتحدة الضغوط الاقتصادية كورقة مساومة في الخلافات الجيوسياسية مع الصين، مثل قضايا مثل تايوان وحقوق الإنسان وجنوب الصين البحر. وبالتالي، فإن الحرب الاقتصادية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتنافس الأوسع نطاقًا بين البلدين على النفوذ العالمي.

لمواجهة هذا التحدي الكبير، تحتاج الصين إلى اتباع استراتيجية متعددة الجوانب. فمن ناحية، عليها أن تعمل على تنويع شركائها التجاريين وأسواقها التصديرية، وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة، كما يجب عليها تعزيز الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيات الحيوية مثل الرقائق الإلكترونية والمعدات الصناعية المتقدمة.

من ناحية أخرى، على بكين تبني نهج دبلوماسي أكثر مرونة وحذرًا للتعامل مع الولايات المتحدة، فعليها الالتزام بالقواعد التجارية الدولية واحترام حقوق الملكية الفكرية، بهدف بناء علاقات تجارية أكثر توازنًا وكسب ثقة المجتمع الدولي.

في النهاية، سيكون نجاح الصين في مواجهة هذه الحرب الاقتصادية مرهونًا بقدرتها على التكيف والمرونة، فمع تزايد حدة التوترات العالمية، ستحتاج البلاد إلى التوازن بين المصالح الاقتصادية والجيوسياسية بحكمة لضمان نمو مستدام ومكانة قوية في النظام الاقتصادي العالمي، وهذه هي المعركة الحقيقية التي تواجه الصين في السنوات المقبلة.