مقترحان لحل أزمة الذهب في مصر

مع تزايد عمليات المضاربة على المعدن الأصفر ووصول أسعاره إلى مستويات مبالغ فيها

بقلم:الدكتور أحمد السيد

“عاجل ارتفاع سعر الذهب لمستوي تاريخي”، لا ينفك يوم دون أن تسمع نفس الخبر “العاجل” عدة مرات لتبشرك بإرتفاعات قياسية في سعر الذهب، لا جديد فى الامر فلطالما عشق المصريين الذهب الاصفر واعتبروه الملاذ الأمن دائماً فى كل الازمات وهذه ربما جينات تناقلتها الاجيال منذ الفراعنة بعيدا عن مدعي الفرعنة من انتاج نيتفلكس.

هوس المصريين

وقد غذت الأزمة الاقتصادية الحالية هوس المصريين بالذهب، فالسؤال الذى يدور كل لحظة فى الأذهان وفي كل اللقاءات هو “نشتري ايه” كمحاولة بائسة للتخلص من الكاش ووضعها في اصول ليس لتحقيق عائد بقدر ما هو بهدف التحوط ضد التضخم الذى يلتهم الاخضر واليابس.

ولما كانت البدائل دائما لدي المصريين تنحصر فى الذهب والعقارات وشهادات البنوك وذلك للفرد العاقل الرشيد – وبعيدا عن فخ توظيف الأموال الذي يقع فيه الكثيرين من غير الرشداء – وحيث أن العقارات لا تناسب محدودي الادخار ولا تتمتع بالسيولة الكافية وشهادات البنوك تجمد السيولة لفترة طويلة وغير مضمونة فى ظل ارتفاع التضخم، فانحصر الأمل الوحيد لدي المصريين خلال الفترة الماضية بقوة في الذهب.

ولأن الارقام “أصدق قيلا” فإحصائيات الربع الأخير وحدها تشير إلى أن المصريين قد اشتروا 4.4 طن ذهب خلال 2022 بقفزة تجاوزت 83% عن العام السابق عليه، وهو ما يعني أنه باسعار اليوم تتجاوز قيمة مشترياتهم حاجز 13 مليار جنيه.

لا غضاضة فى ذلك بالرغم من انه من وجهة نظري من الاستثمار فى الذهب هو نوع من الاكتناز لا يفيد الاقتصاد بأي صورة من الصور، وأن الافضل للاقتصاد أن يتم ضخ هذه السيولة فى اصول منتجة، لكن بعيداً عن الارهاصات الاقتصادية التي قد لا تهم المواطن العادي، لكن الاشكالية الأهم التي نشهدها الأن أن هناك تغير هام حدث في سوق الذهب فى الفترة الأخيرة.

الإرتباط بالسعر العالمي

فالسعر المحلي للذهب يرتبط بسعر الذهب عالمياً ولطالما كانت الأوضاع مستقرة عند هذا الوضع، حتي في مرحلة ما قبل تعويم 2016، لكن اي متابع للاسعار سيجد أن هناك انفصال بين الأسعار المحلية والاسعار العالمية، فالذهب الذي سجل ارتفاعاً منذ بداية العام على المستوي العالم بنحو 9% فقط يسجل ارتفاعاً على المستوي المحلي بنحو 57% خلال نفس الفترة وحتي مع التحجج بوجود تخفيض في يناير في قيمة الجنيه بنحو 24% فمازال الصعود غير مبرر.

واذا كنت من هواة المجادلة فانظر إلى مستويات اسعار شهر ابريل التي صعد فيها الذهب محليا بنحو 20% ي بينما على المستوي العالمي لم يزد صعوده لاعلي نقطة خلال الشهر عن 2% فقط. ولا اعلم لماذا تتزامن تلك الزيادة في فترات الأعياد والاجازات مع اشاعات مستمرة أنه بعد الاجازات سيتم تعويم الجنيه.

هل اقتنعت الأن أن التسعير ينطوي على مبالغات ضخمة؟

الحقيقة أن الأمر خرج عن نطاق كونه سعر سلعة يتغير وفقاً لاليات العرض والطلب ومحدودية الانتاج وخلافه، فقوي العرض والطلب موجودة منذ فترات طويلة ولم نجد هذا الاختلاف في التسعير وحتي السوق السوداء ظهرت لفترات سابقة ولم نري هذا التفاوت.

دعنا نعترف صراحة أن هذا التفاوت الغريب فى التسعير ما هو إلا سلوك انتهازي يظهر فى وقت الازمات ويستغل انخفاض وعي الافراد أو ربما اللعب على وتر الخوف لديهم بهدف تحقيق ارباح غير اعتيادية.

فالتجار في مبرارتهم لرفع سعر الذهب -وربما القارئ محب الجدال- يحرصون على التحجج بأن سعر الصرف الحقيقي قد ارتفع في السوق الموازية لكن المضحك أنك يمكنك شراء الدولار من السوق السوداء باسعار حول 37 جنيه بينما يقيم تجار الدهب الدولار عند سعر 46 جنيه، لذا عزيزي مشتري الذهب المقتنع بأن اسعار الذهب واقعية نظراً لارتفاع الدولار، يمكنك ان تقدم عرض لا يمكن رفضه لتاجر الذهب ان تبيع له الدولار ب40 جنيه فقط مدام هو يكلفه 46 جنيه فعلا كما يدعي.

إذن لا مواربة أن هناك استغلال كبير من جانب التجار لانخفاض وعي المستهلكين وتخوفهم من عدم ادراك الفرصة الضائعة، بالرغم من ان هناك الكثير من الاخبار المتواردة ان حركة البيع فقط هي المنتعشة أما حركة شراء التجار للذهب من العملاء فهي لا تسير بنفس الانتعاش.

خلاصة الامر أن السلوك الانتهازي طبيعة بشرية كما اشارت المدرسة المؤسسية فى الاقتصاد، وقد يسارع الكثيرين إلى المطالبة كالمعتاد بتدخل الحكومة لظبط الاسعار وهم في ذلك يتغافلون عن النتائج الكارثية التي حدثت مع تدخل الحكومة للسيطرة على اسعار العديد من السلع الاساسية في الفترة الأخيرة مثل الارز وما ترتب عليه من اختفاء السلعة تماما، اذن حلول “الرقابة البوليسية” التي ينادي بها البعض لن تؤدي إلا إلي نتائج عكسية.

ما هي الحلول؟

عادة ما يؤدي ضعف كفاءة الاسواق وغياب المعلومات والشفافية إلى تمكين التجار من تحقيق ارباح غير اعتيادية اعتماداً علي جهل أو خوف المستهلكين، لذلك من المهم خلق اسواق منظمة تسمح بالمنافسة وتوافر المعلومات وتكسر احتكار فئات معينة لعملية التسعير غير المنطقية.

المقترح الأول: أعتقد ان اهم تحرك للحكومة فى الوقت الحالي يجب ان يرتكر علي خلق بورصة لتداول الذهب، لا اقصد بالطبع بورصة منفصلة لكن ادخال الذهب كأحد السلع المتداولة في بورصة السلع التي اطلقتها البورصة المصرية مع وزارة التموين، مما يضمن وجود اسعار رسمية معلنة بصورة يومية بناء على قوي العرض والطلب مما يسمح بوجود قدر كافي من المعلومات لدي المستهلكين ويجنبهم الكثير من التداعيات السلبية، لا علاقة لذلك بنشاط تجار الذهب ولن يؤثر عليهم سلباً كما قد يعتقد البعض، لكن قد يعيد توجيه دفة السوق إلى مساره السليم.

اعلم ان حجم السوق صغير قياسياً لتداولات البورصة مع وجود الكثير من العوائق اللوجستية الأخري لكن على الاقل نضمن وجود سوق منظم يساهم في ضبط الأسواق، وربما يكون هذا الامر نواة لتطوير افضل لصناعة الذهب والمجوهرات في المستقبل لكي تعاود المنافسة مرة اخري اقليميا وعالميا في صناعة لطالما كانت ايدي المصري “تتلف في حرير” فيها.

المقترح الثاني: السماح بإطلاق أدوات مالية للتداول فى الذهب ومن أهمها صناديق الذهب، وهي صناديق يتم تداولها فى البورصة فى الاغلب وعند شراء وثائقها تقوم بالاستثمار بالنيابة عنك فى الذهب وهو ما يعني أن اسعار الوثائق ستتحرك بنفس مستويات تحرك الذهب ويحتفظ الصندوق فى اغلب الحالات بغطاء ذهب مقابل لتلك الوثائق.

تأخرنا كثير فى اطلاق تلك الصناديق بالرغم من الزخم الكبير المتواجد في السوق وبالرغم من أولي هذه الصناديق بداء فى الستينات من القرن الماضي وحالياً هناك عشرات الصناديق حول العام المتخصصة فى الاستثمار فى المعدن النفيس تبلغ اصولها مايزيد عن 240 مليار دولار وتستحوذ على ما يقرب من 4 الاف طن ذهب وفقاً لبيانات مجلس الذهب العالمي.

الخبر الإيجابي أن هناك أحد بنوك الاستثمار المصرية تستعد لاطلاق اول صندوق خلال الفترة القادمة للاستثمار فى الذهب واتمني ان يحظي ذلك الصندوق بالتسوبق الكافي حتي يتمكن من جذب قطاعات واسعة من المجتمع وأن يتبع ذلك عدد من المؤسسات المالية الاخري مما يسهم فى ضبط اداء السوق بشكل كبير فى تلك المرحلة الصعبة وايقاف انفلات “عيار” الذهب بهذا الشكل.

دعك من نظرية المؤامرة وأن الحكومة هي من وراء التهافت علي الذهب وانها تستخدم ذلك كوسيلة لسحب السيولة بعيداً عن سعر الفائدة، فمهما كان استهلاك الذهب فلن يتجاوز 15- 20 مليار جنيه وهو رقم جد ضئيل مقارنة بمستويات السيولة فى الاقتصاد المصري.

وعوداً علي بدء فالاهم في نهاية المطاف أن نركز بشكل حقيقي ووفقاً لعمل استراتيجيي على تغيير ثقافة الاستثمار فى الذهب في مصر وأن نركز على خلق فرص استثمارية حقيقية لحشد المدخرات بعيداً عن اكتناز معدن لا يضر ولا ينفع، وبالطبع فإن أولي هذه الأليات أن نتحرك سريعاً فى ملف الطروحات للشركات الحكومية وتخصيص نسبة حتي لو صغيرة منها للمستثمرين الأفراد حتي يروا عوائد ايجابية تجذبهم للاستثمار فى انشطة تفيدهم وتفيد الاقتصاد.

طلب المصريين على #الذهب في الربع الأول من 2023 قفز بمعدل 33% على أساس سنوي ليصل إلى 16.2 طن، وهو أعلى مستوى منذ الربع الأول من 2010، وسط سعي المصريين للتحوط من هبوط سعر #الجنيه مقابل #الدولار الأميركي، وفي ظل الارتفاع المتتالي لمعدلات التضخم
– تضاعف الطلب في مصر على السبائك والعملات الذهبية خلال الربع الماضي على أساس سنوي إلى 7 أطنان، وهو الأعلى منذ 2010 على أقل تقدير.
– كما ارتفع الطلب على المشغولات الذهبية بنحو 6% على أساس سنوي إلى 9.2 طن، و هو أعلى مستوى منذ الربع الثالث 2015.

بقلم: الدكتور أحمد السيد أستاذ الإقتصاد والتمويل

 

روابط ذات صلة:

الدكتور أحمد السيد يكتب: طروحات البورصة بين المأمول والممكن
خبير إقتصادي يطالب الحكومة بـ “الطرح الجماعي” للشركات بالبورصة
هل تزيد أسعار الفائدة المرتفعة أوجاع الشركات الناشئة في مصر؟