عيسى جاد الكريم يكتب..مطلوب حساب بنكي وخدمات مصرفية خاصة لكل لاجئ في مصر

بقلم: الدكتور عيسى جاد الكريم

في مصر إذا أردنا أن نحل أزمتنا الاقتصادية ليس علينا التفكير خارج الصندوق، ولكن يجب علينا التفتيش بداخل الصندوق الموجود لدينا لنجد الحلول الكثيرة التي ربما تكون بين أيدينا، وأمام أعيننا ولكن تنتظر القرار الجريء في الوقت المناسب.

ودعونا ندخل في صلب الموضوع فمعظم أزمتنا الاقتصادية الحالية هو ما نعانيه من نقص في العملات الصعبة وخاصة الدولار وخاصة أننا وفقا للبيانات الرسمية، يجب أن نسدد قبل نهاية يونيو 2024 ما يقرب من 32 مليار دولار كجزء من أقساط وفوائد الديون المستحقة على مصر والبالغ حجمها 164 مليار دولار.

مصر يوجد لديها وفقا للإحصاءات غير الرسمية ما يقرب من 9 ملايين اجنبي ولاجئ من 57 دولة يحتاجون لخدمات مصرفية ومعظم هؤلاء من الدول الإفريقية التي بها حروب ونزاعات، معظمهم من الأشقاء السودانيين الذين نرحب بهم في وطنهم الثاني مصر، بالإضافة للأشقاء السوريين والليبيين واليمنيين والعراقيين.

مفوضية اللاجئين في مصر وبحسب الإحصاءات الرسمية لها قالت إنه المسجل لديها 208 آلاف سوداني و154 ألف سوري و38 ألف من جنوب السودان و33 ألف من إريتريا وما يقرب من 18 ألفا من إثيوبيا و9 آلاف يمني و8 آلاف من الصومال و6 آلاف من العراق، بالإضافة إلى أكثر من 54 جنسية أخرى، ومعظمهم يتركزون ويعيشون في القاهرة الكبرى والإسكندرية ومدن القناة وعدد من المحافظات بعدد  اللاجئين وطالبي اللجوء يقرب من المليون، مع العلم أن هذه الأعداد هي المسجله فقط في مفوضية اللاجئين، وهي لا تمثل 20% من العدد الفعلي اللاجئين الذين جاءوا لمصر،  فبحسب تصريح للسفير المصري في السودان فإن مصر أصدرت تأشيرات رسمية لما يقرب من 500 ألف سوداني بعد نشوب الحرب والنزاع بين الجيش السوداني ومليشيات الدعم السريع في إبريل عام 2023 فقط.

جميع ضيوف مصر الذين لجأوا لها هربا من النزاعات والحروب وحالة عدم الاستقرار في بلادهم يعيشون فيها ويتمتعون بمعظم الخدمات التي يتمتع بها المصريون خاصة أنهم يعيشون في أوضاع حضارية وظروف سكنية ملائمة وليس في مراكز أو خيام للاجئين مثلما يحدث في بعض الدول الأخرى.

ودعونا لا ندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعام وقت الخطر، ولكن دعونا نواجه الحقيقة فلدينا 9 ملايين شخص من ضيوف مصر  يعيشون بيننا هذه الملايين من البشر التي تعيش وتسكن في المدن المصرية بالتأكيد تحتاج خدمات مصرفية في حياتها اليومية فهؤلاء الملايين يدفعون إيجارات المساكن التي يقيمون فيها ويشترون احتياجاتهم اليومية من طعام وشراب وخدمات صحية وتعليمية ليس من الهواء ولكن بنقود كاش يدفعونها سواء من مدخرات كانت لديهم أو أموال يحولها لهم أقاربهم أو حتى من معونات تدفعها لهم منظمات الأمم المتحدة العاملة في مصر، ولذلك فيجب التفكير جدياً في توفير الخدمات المصرفية لهولاء لتقليل النقود الكاش في أيدي هؤلاء، والتي بالتأكيد تساهم في زيادة معدلات التضخم بشكل مباشر أو غير مباشر فنظرة بسيطة على طوابير اللاجئين والمقيمين في مصر التي تقف أمام شركات تحويل الأموال لاستلام حولاتهم الدولارية يعرف كم الاحتياجات المالية والمصرفية التي يحتاجونها.

ورغم توجه الدولة نحو التحول الرقمي والتوسع في أنظمة الدفع والتحول الإلكتروني، لكن ما يقرب من 9 ملايين نسمة من ضيوف مصر المقيمن ليس لديهم حسابات مصرفية أو تطبيقات مالية مصرية تساعدهم في احتياجاتهم في حياتهم اليومية، الأمر الذي يدفع الكثيرين منهم لاستخدام تطبيقات إلكترونية غير مصرية لتلبية احتياجاتهم المصرفية مثلا تطبيق بنك السوداني المملوك لبنك الخرطوم، وغيرها من التطبيقات الأخرى مما يخلق سوقا موازية لتداول النقد المصري والأجنبي، بعيداً عن رقابة البنك المصري، ولذلك يجب أن يتم السماح لهؤلاء بفتح حسابات بنكية في البنوك المصرية ولو بشكل مؤقت من خلال البنوك الحكومية المصرية، ويمكن تخصيص فروع بعينها، من خلال البنك الاهلي وبنك مصر وبنك القاهرة  للتعامل وفتح حساب بنكي  رسمي.

فبحسبة بسيطة لو أننا سمحنا لكل ضيف أن يفتح حسابا بنكيا في مصر برسوم 100 دولار مثلا رسوم إدارية لكل حساب وأن هناك مليون شخص فقط من التسعة ملايين قرروا فتح حسابات مصرفية فإننا سنجمع 900 مليون دولار فقط كحصيلة مبدئية، علاوة على أننا سنساهم في جعل التدفقات النقدية تأتي للهؤلاء من خلال القنوات الشرعية بدلا أن تأتي لهم تحويلات النقدية بشكل غير شرعي، كما أن إتاحة أنظمة الدفع الإلكترونية من خلال تطبيق إنستاباي أو من خلال بطاقات الدفع الإلكترونية سيقلل الكاش في السوق، ويحقق الرقابة المرجوة على حجم التداول وحجم المشتريات، وبالتالي معرفة الاحتياجات بما يمنع الضغط علي الخدمات.

إدخال ضيوف مصر في السوق المصرفي الرسمي على المدى البعيد سيساهم في تنشيط التجارة بين مصر والسودان بشكل خاص بوصف السودانيين أكبر جالية موجوده في مصر وتنشيط التجارة مع الدول العربية والإفريقية التي لهم رعاية هنا بشكل عام.

وفقا لأحدث التقارير فإن عدد العاملين في البنوك بلغ 140 ألف موظف وبلغ عدد البطاقات الائتمانية 5 ملايين و640 ألف بطاقة وعدد ماكينات الصراف الآلي ATM حوالي 23 ألف ماكينة وبلغ عدد البنوك العاملة في مصر وفروعها ما يقرب من 4760 فرعا على مستوى الجمهورية، كما أن هناك ما يزيد على 108 آلاف ماكينة تحصيل للدفع للبنوك في المطاعم والسوبر ماركت والمحال التجارية المختلفة، بما يعني أننا نملك قاعدة مصرفية قوية قادرة على استيعاب أي زيادة في أعداد من يريدون الاستفادة من الخدمات المصرفية المصرية علاوة على أن استيعاب هذا العدد من ضيوف مصر في الجهاز المصرفي سيخلق فرص عمل لآلاف الشباب الذين يمكن توظيفهم في البنوك لخدمة هؤلاء، كما الجهات الدولية والمناحة ومفوضية اللاجئين بمصر يمكن بسهولة تقدم خدماتها بطريقة مباشرة وسريعة للاجئين، سواء من خلال صرف المنح أو دفع تكاليف مصروفات السكن والتعليم والخدمات الصحية والمعيشية التي يحتاجها اللاجئون، كما أن الإعلان عن السماح لضيوف مصر بفتح حسابات مصرفية سيجعل هناك سهولة في تسجيل كل من يعيشون في مصر ويريدون الاستفادة بالخدمات المصرفية الشرعية، بل إننا يمكن بهذا الإجراء أن ندفع من يعيشون بطرق غير شرعية بالسعي لتوفيق أوضاعهم الشرعية واستخراج أوراق الإقامة في مصر، بما يعني أنه دخل آخر جديد للدولة نظير دفع رسوم الإقامة.

 

منقولة من موقع جريدة روزاليوسف