قطاع التشفير يستحق الإصلاح

اتباع نهج تنظيمي استباقي سيعظيم فوائد هذه التكنولوجيا التي ماتزال تملك إمكانات كبيرة

يستمر انهيار عالم العملات المشفرة والتمويل اللامركزي الذي كان مزدهراً في يوم من الأيام، مما يجعل من صانعي السياسات الاقتصادية والنقدية في حالة من الارتباك: هل يجب عليهم تركه يحترق؟ أم يتوجب عليهم أن يتدخلوا لمعالجة عيوبه التي باتت واضحة الآن؟

أنا أنتمي إلى الجناح الذي يتبنى الطرح الثاني. لكي تحافظ على مصداقيتها، وتحقّق أكبر فائدة من تكنولوجيا “بلوكتشين”؛ يجب على الجهات التنظيمية التدخل، واتخاذ إجراءات صارمة ضدّ عمليات الاحتيال، وحماية المستثمرين، وضمان سلامة ونزاهة السوق.

تساقط أحجار دومينو

يستمر سقوط أحجار الدومينو بعد زوال إمبراطورية “إف تي إكس“. كانت منصة إقراض العملات المشفَّرة “جينيسيس غلوبال كابيتال” (Genesis Global Capital) آخر ضحية على هذا الصعيد. من شأن كل فشل أن يقوّض الثقة، ويقلل من النشاط، والإيرادات، ويفرض ضغوطاً على بقية القطاع. في ظل عدم وجود مُقرض للملاذ الأخير الذي يقدّم الدعم الطارئ -كما يفعل “الاحتياطي الفيدرالي” مع البنوك التقليدية- ليس هناك الكثير مما يمكن فعله لتجنّب المزيد من الانحدار.
يعتقد بعضهم أنَّ هذا أمر جيد، ويجادلون بأنَّ العملات المشفَّرة كانت إلى حد كبير فقاعة مضاربة غير منتجة، وبالتالي؛ يجب أن تُترك لتنكمش من تلقاء نفسها. كثيراً ما تم تحذير المستثمرين، ولم تكن لدى الوسطاء الذين يشبهون البنوك وغير الخاضعين للوائح التنظيمية -الذين عهدوا إليهم بأموالهم بشكل غير رشيد– سوى علاقة محدودة، أو لم تكن لديهم علاقة على الإطلاق بإمكانات التكنولوجيا الأساسية.

واجب الحكومات في توفير الحماية
لكن مثل هذا التفكير يتجاهل نقطتين مهمتين. الأولى، وهي أنَّ الحكومة عادة ما تتخذ خطوات لحماية الأشخاص الذين ليست لديهم القدرة أو الوسائل لحماية أنفسهم، إذ تسعى إلى ضمان فاعلية العلاجات التي تستلزم وصفة طبية، وأن يكون توزيعها بشكل ملائم، كما تسعى لضمان أنَّ السيارات آمنة، وأنَّ الطرق تخضع للصيانة وتُوضع عليها الإرشادات الصحيحة، وأنَّ الأطباء والمحامين لديهم المؤهلات اللازمة، وأنَّ الكازينوهات لا تسبب المشكلات بشكل مفرط. فلماذا إذاً يجب أن يكون قطاع التشفير مختلفاً؟

أما النقطة الثانية؛ فيعبر عنها التساؤل الآتي: لماذا يجب أن نرفض هذه التكنولوجيا بشكل كامل ونخسر إيجابياتها بسبب بعض السلبيات؟ إذا أصبح الاستثمار في العملات المشفَّرة أكثر أماناً؛ فمن شأن ذلك أن يساعد في تطوير تكنولوجيا قد تحتوي على استخدامات قيّمة. وإليك بعض المجالات الواعدة:
الهوية الرقمية: في ظل التكنولوجيا الحالية، تتطلب تلبية قواعد مكافحة غسل الأموال وقواعد “اعرف عميلك” تقييماً، وتقارير مكلفة، غالباً ما تكون زائدة على الحاجة. لدى “بلوكتشين” القدرة على جعل النظام أكثر كفاءة، وتحقيق التوازن المناسب بين الخصوصية، والأمان.
المدفوعات العابرة للحدود: يمكن لتكنولوجيا “بلوكتشين” أن تدعم وسائل دفع عالمية جديدة من شأنها أن تُحسّن الخدمات المصرفية ذات المراسلات البطيئة والمكلفة.
تداول الأوراق المالية: من خلال السماح بنقل الأموال، والأصول بشكل مباشر ومتزامن، يمكن لتكنولوجيا “بلوكتشين” أن تقلّل بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بالمقاصة والتسوية.
ملكية الأصول: من خلال إتاحة استخدام العملات المشفَّرة لتمثيل الملكية، يمكن أن تلغي “بلوكتشين” الحاجة إلى تأمين الملكية في المعاملات العقارية، ويمكن أن تعزز الإشراك عن طريق جعل الاستثمارات الأصغر أسهل وأقل تكلفة.

الابتكارات تحتاج إلى وقت

لذا؛ قد يتساءل المرء بشكل محقّ، لماذا لم تتحقق هذه الحالات من الاستخدام بشكل كامل؟ قد تستغرق التقنيات الجديدة وقتاً لتنتج صناعات وطرقاً جديدة لممارسة الأعمال التجارية، وفي المراحل الأولى يكون من غير المعروف فعلياً إلى أين ستقود؟.
كيف يمكن لقطاع التشفير أن يكون كصناعة الموسيقى؟

استغرق توليد الكهرباء عقوداً عدة قبل أن يصبح إنتاجها بكميات كبيرة متاحاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى “الطراز تي” من سيارات “فورد” الأولى. وبالمثل؛ كانت هناك فجوة واسعة ما بين الظهور الأول للبرامج مفتوحة المصدر، واستخدام “لينوكس” (LINUX) في تطبيقات تتراوح من الحوسبة السحابية إلى الهواتف الذكية التي تعمل بنظام “أندرويد”.

أنتج “مركز بالو ألتو للأبحاث” الشهير، التابع لشركة “زيروكس” ابتكارات أدت في نهاية المطاف إلى ظهور الكمبيوتر الشخصي، وأكثر من ذلك بكثير، على الرغم من أنَّ “زيروكس” حصدت القليل من المكاسب.

أهمية التنظيم

إنَّ الوقوف موقف المُتفرج والسماح بانهيار قطاع العملات المشفَّرة، ليس طريقة لتحقيق أقصى قدر من فوائد هذه التكنولوجيا الناشئة. بدلاً من ذلك؛ يجب على المشرّعين، والمنظّمين، القيام بمهامهم: من ضمان حماية لأصول العملاء، والتأكد من سلامة الأسواق؛ واشتراط أن تكون العملات المستقرة -الرموز المميزة ذات القيم المرتبطة بالعملات الورقية- مدعومة بالكامل بأصول آمنة مقوّمة بتلك العملات، مثل الديون السيادية قصيرة الأجل، واحتياطيات البنك المركزي. وعليهم أيضاً العمل مع العاملين في القطاع لإرساء أفضل الممارسات، وفرض تلك المعايير على الصعيدين المحلي والعالمي.

مرحباً بكم في “ميتافيرس” العملات المشفرة حيث تسهل خسارة كل شيء

حتى الآن، اختار المنظمون أخطاء إغفال الفعل، بدلاً من الأخطاء الناجمة عن محاولة القيام به، كما اختاروا التقاعس عن العمل بدلاً من المخاطرة بارتكاب الأخطاء. النتيجة هي خسائر بمليارات الدولارات، وتآكل الثقة في كلٍ من القطاع، وعمليات التنظيم، في حين أنَّ المطلوب هو أن يكونوا أكثر استباقية.

مقالة منقولة على الكاتب بيل بادلي – بلومبرج الشرق