فاينانشيال تايمز تطرح التساؤل..أين ستندلع الأزمة العالمية المقبلة؟..ريادة الأعمال ليست محصنة

يبقى التضخم أكبر المشكلات

 

مقالة نشرت في صحيفة فاينانشيال تايمز 
بقلم:
سايمون إديلستن
المدير المشارك لصندوق ميد ويند إنترناشونال إنفيستمنت وصندوق أرتميس جلوبل سيليكت
المصدر:جريدة الإقتصادية السعودية
في 1977 غضبت والدتي من والدي لأنه اشترى أسهما في شركة بيتشي بروبيرتيز -وهي شركة تطوير عقاري يديرها اللامع إريك ميلر- والدي مصمم إضاءة في هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” وليس مختصا في الاستثمار.
تم ضبط ميلر، مدعي الاشتراكية، الذي تضمن أسلوب حياته الفخم إنفاق أكثر من 1.5 مليون جنيه استرليني بأسعار اليوم في شركة أسبري لصياغة المجوهرات في شارع بوند، وهو يستخدم شركته كمصرف خاص له. كما أقرض المال لنادي فولهام لكرة القدم، وبصفته مديرا للنادي كان متورطا في سرقة اللاعب بوبي مور من نادي ويست هام، لذلك لم يكن شخصا سيئا تماما في نظري.

لكن والدتي لم تر الأمور على هذا النحو. عندما انتشرت القصة، بدا أن استثمار أبي قد أصبح إشكاليا بالتأكيد.

يبدو أن العقارات تجتذب الفائض من الأموال. غالبا ما يكشف ارتفاع أسعار الفائدة عن نقاط الضعف ويفجر الفقاعة، وفي منتصف السبعينيات من القرن الماضي، قفزت الفائدة لأرقام زوجية للمرة الأولى في تاريخ المملكة المتحدة. بلغت ذروتها في وقت لاحق في الولايات المتحدة، في 1981، عندما تحرك الاحتياطي الفيدرالي بقوة للسيطرة على التضخم الذي كان مستفحلا في ذلك الوقت. وبلغت الفائدة على الأموال الفيدرالية مستوى قياسيا عند 22.36 في المائة في تموز (يوليو)، وفقا لبيانات من الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس.

نحن ننسى أن العالم غالبا ما كان يتأقلم مع أسعار الفائدة من رقم واحد مثل الفائدة اليوم. الخطر يكمن في الانتقال. الشركات والأسر التي بنت خططها المالية على فائدة أقل بكثير تجد صعوبة في التأقلم. هم ليسوا وحدهم في ذلك. يمكن أن يجتاح المقرضين –وهم البنوك عبر التاريخ- الضرر الذي لا يظهر في كثير من الأحيان إلا بعد رفع أسعار الفائدة.

في منتصف السبعينيات، واجهت عشرات من بنوك الإقراض الصغيرة في المملكة المتحدة الإفلاس حيث انخفضت أسعار العقارات كرد فعل على ارتفاع أسعار الفائدة، وأشهرها بنك سلاتر ووكر، الذي أشار رئيسه، جيم سلاتر، إلى أنه أصبح “لم يعد مليونيرا”. وبين 1980 و1994 في الولايات المتحدة، تم إغلاق أكثر من 1600 بنك أو كان لا بد من إنقاذها.

بدأت العمل في الحي المالي في 1984. في ذلك العام انهارت شركة كونتيننتال إلينوي ناشونال بنك آند تراست وفي حوزتها أصول تزيد على 40 مليار دولار. وكان ذلك أكبر انهيار لبنك في تاريخ الولايات المتحدة، وهو رقم ظل قياسيا حتى الأزمة المالية في 2008 و2009.

عندما يعاني المقرضون، ينجم عن ذلك تأثير غير مباشر في الصناعات التي تعتمد على الائتمان وتجد أنه اختفى فجأة. في 1984 كان النفط هو القطاع الذي شهد إفراطا في الاستثمار، ولم يتمكن من التعامل مع مزيج من ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض أسعار النفط، خاصة أن التنقيب عن النفط له فترة استرداد تكاليف من الاكتشاف حتى النضوب تصل إلى 30 عاما أو أكثر.

ونحن اليوم نقف في منطقة الخطر هذه. انهيار سيليكون فالي بانك في الولايات المتحدة وكريدي سويس في أوروبا هو بمنزلة تذكير، إلى جانب المشكلات المستمرة في بنك فيرست ريبابليك. لكن ستكون هناك غيرها. وليس من السهل التوقع أين ومتى ستندلع الأزمة التالية.

تبدو العقارات خيارا واضحا. غالبا ما تتفاوض شركات العقارات التجارية على عقود إيجار مدتها خمسة أعوام. إذا كانت تعتقد أن التضخم سيكون معتدلا، مثلا، 6 في المائة على مدى الأعوام الخمسة المقبلة، فإن وضعها الأمثل هو جعل الفائدة الجديدة كما كانت في خمسة أعوام إذا ارتفعت بما يتماشى مع التضخم، وهي زيادة تبلغ 34 في المائة. سيترك ذلك أثرا غير جيد في المستأجرين الذين يواجهون ضغوط التضخم بأنفسهم.

يدرك معظم مديري الشركات العقارية الكبرى ذلك بينما يقاوم العقلاء منهم مغريات الاقتراض أكثر من اللازم في الأوقات الجيدة. حاليا في المملكة المتحدة، تكلف الديون معظم شركات العقارات نحو 5 – 6 في المائة، ويتم تسعير العقارات بناء على عوائد تراوح بين 3.5 في المائة و4.5 في المائة. لكن هذا لن ينجح.

إضافة إلى هذا، تواجه الصناديق العقارية آثار ما بعد الجائحة. كان العمل من المنزل وما تبعه من تدني الإقبال على التسوق في مراكز المدن قد أثرا في الطلب على المساحات بطرق غير متوقعة.

أدى هذا المزيج من العوامل إلى انخفاض حاد في أسهم العقارات. مثلا، تبلغ قيمة أسهم شركة لاند سيكيوريتيز 6.50 جنيه استرليني اليوم، بينما كانت تبلغ عشرة جنيهات استرلينيه قبل الجائحة. كما تبدو شركات العقارات التجارية الأوروبية معرضة للخطر بشكل خاص لأنها لم تواجه هذه البيئة منذ 15 عاما. ومن المحتمل أن تعاود بعض أسهم العقارات الارتفاع، مثل شركة شافتسبوري، التي تمتلك جزءا كبيرا من منطقة كوفينت جاردن في لندن، وقد تبدو جذابة عند 114 بنسا. تم تقدير الأصول في تقريرها السنوي الأخير عند 192 بنسا للسهم بعد الاندماج الأخير.

أما بالنسبة إلى المقرضين، فأنا أملك أسهما لبنكين فقط. وكلاهما في اليابان، حيث من غير المرجح أن ينقل المودعون أموالهم بحثا عن أسعار فائدة أعلى وذلك لعدم توافرها. إذا ثبت أن التضخم مستمر، فمن الممكن السماح لأسعار الفائدة هناك بالارتفاع بشكل متواضع، وهو ما سيمكن تلك البنوك من أن تجني من الإقراض أكثر مما كان ممكنا في الأعوام الأخيرة.

قد يعتقد المستثمرون أن شركات التكنولوجيا في وضع جيد للتعامل مع ارتفاع الفائدة. غالبا ما تكون الفترة الزمنية بين اختراع تطبيق برمجي جديد وتقديمه إلى السوق أقصر بالنسبة إليهم مقارنة بالذين يطورون منتجات ملموسة، لكن التسويق يمكن أن يتطلب إنفاق أموال طائلة، عندما ينفد وقود الائتمان.

يتم تحفيز رواد الأعمال “وممولي الأسهم الخاصة المحتملين” بالمكافأة. كان طرح شركة في بورصة مثل ناسداك طريقة قيمة لتوليدها، كما أنه مصدر لرأس المال الإضافي. لكن التقييمات اليوم أقل بكثير مما كانت عليه قبل ثلاثة أعوام.

هذا لا يؤثر في المقرضين والمؤسسين فقط. قد يدفع للموظفين مثل المبرمجين جزئيا من خلال خيارات الأسهم. لكنها الآن تبدو أقل قيمة، تماما كارتفاع مدفوعات الرهن العقاري الشهرية للموظفين. وزن التكنولوجيا في محافظنا خفيف ونفضل شركات مثل جوجل ومايكروسوفت وسيلزفورس وأدوبي، وهي شركات ناضجة لا تعتمد على البنوك والمقرضين الآخرين.

ربما تواجه التكنولوجيا الحيوية ضغوطا مختلفة. ارتفاع الفائدة يضغط على الخزينة العامة. على الرغم من أننا نشهد معدلا كبيرا للابتكار، خاصة في علم الأحياء الوراثي، فإن هيئات الصحة العامة تتلقى فواتير متزايدة من رعاية كبار السن من السكان باستخدام العلاجات الحالية. قد تكون الأموال المخصصة للعلاجات الجديدة، خاصة للأمراض النادرة، شحيحة حتى تثبت نجاحها شريطة أن تكون أرخص.

أخيرا، لا ينبغي أن نفترض أن الطاقة المتجددة ستتمكن من الإفلات. الاستثمار في أي خدمة يتطلب مردودا على المدى الطويل. ونحن نفترض أن الحكومات ستدعم هذا القطاع لكنها قد تكون أقل حماية للمساهمين إذا كان ينظر إليهم أنهم يستفيدون كثيرا من أزمة المناخ.

لقد بدأ التضخم في التراجع كما انخفض خطر ارتفاعه الآن، حيث انخفض النفط عن 80 دولارا للبرميل بدلا من 123 دولارا كما كان عليه قبل عام. ونأمل أن يعني ذلك أن الشركات ستجري تعديلات أكثر تواضعاً، ربما استعدادا للتضخم المستمر وأسعار فائدة تراوح بين 3 و4 في المائة. لكن هذا هو الوقت المناسب كي تعيد النظر في الديون التي تتحملها الشركات في محفظتك. قد تكون أسعار الفائدة قريبة من ذروتها، لكن الخطر لم ينته بعد. إن وضع العالم بلا ريب ليس إيجابيا كما يبدو للوهلة الأولى.

روابط ذات صلة:
شراكة سعودية دولية لتوحيد الرؤى ومعايير استخدام تقنية «الميتافيرس»
مصر تعتزم إنشاء صندوق وطني للشركات الناشئة
دول الـ «بيركس» تسابق الزمن إطلاق عملتها لتحل محل الدولار

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.