دكتور محمد راشد يكتب عن القطاع العقاري في السودان وقدرته على الصمود في مواجهه الحرب

بقلم: دكتور محمد راشد

على مدى سنوات عديده تميزت السودان عامة وفي العاصمة الخرطوم بخاصة بارتفاع أسعار الوحدات العقارية ، إذ يتم احتساب قيمة العقار أو الأرض بالمتر المربع، حيث بلغ سعره داخل المناطق التي تسمى بالمناطق الراقية في الخرطوم، مثل حي المنشية والرياض والمطار قبل اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في الـ 15 من أبريل الماضي إلى ما بين 900 و1300 دولار للمتر المربع.

فيما تجاوزت بعض أسعار أراضي الأحياء داخل الخرطوم الـ 140 ألف دولار أمريكي، كما وصلت أسعار بعض العقارات مثل المباني السكنية إلى مليون دولار، وتعتمد أسعار العقارات في السودان على مجموعه عوامل تحدد سعرها يأتي الموقع الاستراتيجي وطريقة البناء ووقوع المبنى في منطقة حيوية مع جودة البناء والتصميم في مقدمتها.

وتراوحت أسعار العقارات في الخرطوم قبل الحرب من نصف مليون إلى 1.5 مليون دولار، كما أن ارتفاع الطلب على المناطق السكينة الآمنة والمميزة من حيث الخدمات والمواد المستخدمة في البناء وحتى طريقة تشطيب العقار، إضافة إلى سعر الدولار وعدم ثبوته وارتفاعه المستمر أمام الجنيه، كلها عوامل تؤثر في قيمة العقار، لا سيما وأن مواد البناء والتشطيب يتم استيرادها من الخارج كالصين ومصر.

وبلاشك أثرت الحرب في الخرطوم على تسعيرة الأراضي والمنازل في العاصمة الخرطوم وحولت غالبية المناطق الحيوية والاستراتيجية إلى منطقة نزاع وعمليات، بخاصة أن القيادة العامة للجيش السوداني تقع في قلب العاصمة وقرب غالبية تلك الأحياء الراقية، كما إن مدينة الخرطوم الآن تعاني عدم الاستقرار الأمني، بل تجاوزت ذلك بأن تكون فيها حرب مدن دخلت فيها أسلحة ثقيلة وخفيفة وطيران حربي ومضادات للطيران بما أثر في استقرار العاصمة، هذا بالاضافه الي أن غالبية العقارات المميزة تقع قرب مناطق عسكرية واستراتيجية ومرافق حكومية، وهي الآن مناطق نزاع بين الجيش وقوات الدعم.

وبطبيعة الحال فقد زعزعت الحروب المحتدمة مستويات الأسعار للوحدات العقاريه نحو الانهيار بتلك المناطق، حيث إن أسعار العقارات في الخرطوم أصبحت منخفضة لاحتدام المعارك، وباتت العقارات من دون قيمة لأنها تقع في منطقة صراع، وحتى بعد الحرب من المتوقع أن تنخفض أسعار العقارات في الخرطوم بنسبه كبيره، ومن المتوقع أيضا بعد الحرب أن تشهد العقارات في الخرطوم انخفاضاً في الأسعار أكثر ، كما قد نشهد ارتفاعاً في أسعار عقارات الولايات المجاورة للخرطوم.

كما انه من المؤكد أنه بعد الحرب ستتأثر الخدمات، فمن سيشتري منزلاً بمليارات الدولارات في بلد يفتقد أبسط المقومات الحياتية من كهرباء وماء ، وهو ماقد يجعل مستقبل القطاع العقاري بأكمله هناك غامضاً ، وشهدت فترة ما قبل الحرب موجة عرض كبيرة للعقارات في الخرطوم مما أدى إلى تفوق العرض على الطلب بنسب تصل إلى 20 في المئة، لاسيما في الأحياء الراقية وسط الخرطوم.

وفي ذات السياق فأن قطاع العقارات بالسودان يشهد اضطراباً منذ عام 2019، إذ إن هناك تراوحاً في البيع والشراء بين الركود والحركة نتيجة ارتفاع الأسعار غير المسبوق، ولذلك فإن أسعار العقارات ووضعها غير ثابت وغير مؤمّن من الحكومة، كما أنه لا دراسة حقيقية تحدد قيمة العقارات ولهذا أصبحت لعبة في أيدي المتربحين من السماسره هناك، ولا تتدخل الدولة إلا عند تحصيل الضرائب أو رفع الرسوم مما جعل نسبة كبيرة من المتعاملين في العقارات يتلاعبون في الأسعار بحسب رغباتهم، لذلك نجد أن المغترب الذي كان يقوم بالتوفير من دخله من أجل شراء عقار أصبح يستخدم معظم هذا الدخل لشراء مستلزمات معيشته اليومية نتيجة ارتفاع الأسعار”.

ولاشك أنه خلال الأعوام الأخيرة لجأ عدد كبير من السودانيين إلى شراء عقارات في بلدان أخرى يعتبر العقار فيها أرخص مثل مصر وتركيا، وبات أكثر من 15 ألف سوداني يملكون عقارات في تلك الدول، حيث إن “لجوء السودانيين إلى شراء عقارات في دول أخرى أمر متوقع بخاصة وأن العقارات في هذه الدول أرخص، فضلاً عما تملكه تلك البلدان من مقومات كثيرة وسهولة في المعيشة عكس السودان حالياً، وبعد الظروف التي تشهدها البلاد أصبحت العقارات التي تم شراؤها بآلاف الدولارات من دون قيمة، لذلك يلجأ بعضهم إلى شراء منازل وشقق سكينة في بلدان تشهد استقراراً اقتصادياً وأمنياً.

كاتب المقال:

دكتور محمد راشد – خبير التنميه والتطوير العمراني وعضو غرفه صناعه التطوير العقاري

 

مقالات سابقة للكاتب:

دكتور محمد راشد يكتب.. صناعة العقار وأركانها الأربعة..دلالة أم احتراف

دكتور محمد راشد: وجود بورصة عقارية تصب في مصلحة القطاع العقاري في مصر